عندما كُلّف الرئيس تمام سلام تشكيل الحكومة في الخامس من نيسان ٢٠١٣ بأكثرية ١٢٤ صوتاً، وجد ما يبرر له القول ان هذا الاجماع النيابي يحمل مؤشرات من القوى السياسية كافة، للرغبة في الانتقال الى مرحلة انفراج تعيد الى الديموقراطية حيويتها والى المؤسسات الدستورية ضمانتها.
لكنه كان اجماعاً خادعاً، فعلى رغم حرص سلام على القول ان حكومة "المصلحة الوطنية" تأتي لمهمة محددة هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ظل يراوح في عملية التشكيل الى ١٥ شباط من العام ٢٠١٤ أي عشرة أشهر، والآن هناك من يفتح عداداً للوقت الذي قد يستغرقه تشكيل الحكومة الجديدة.
تكليف الرئيس سعد الحريري جاء في بداية عهد الرئيس ميشال عون، وبعد فراغ استمر سنتين ونصف سنة، وهو ما يفرض ان ينطلق العهد بسرعة وسهولة في اعادة ترتيب الدولة ومؤسساتها، خصوصاً ان هناك عداداً آخر للوقت مضبوطاً على موعد الانتخابات النيابية التي تقترب، والتي يبدو انها تتحول عاملاً في فركشة التشكيل، اضافة الى عوامل أخرى تتصل طبعاً بمدى رغبة البعض في قيام الدولة القوية والمقتدرة التي طالما دعا اليها الرئيس عون.
ولكن بعد تاريخ من التعطيل الرئاسي والتعطيل الحكومي، وفي ظل الخلاف السياسي المحلي العميق والمعطوف حتماً على الصراع الاقليمي المتأجج، هل كان هناك من يصدق ان صفحة تعطيل مشروع الدولة وتفشيلها طويت مرة نهائية، وان هذا التعطيل المدروس جداً لم يعد ضرورياً كعامل تيئيس لتبرير ضرورات اعادة النظر في النظام السياسي الذي تقوم به وعليه؟
الجواب عن هذا لا يحتاج الى تبصّر كثير، لأنه يكفي ان نتذكر التراشق المرّ الذي سبق عملية انجاز الاستحقاق وانتخاب عون رئيساً، ويكفي التنبّه الى التعقيدات التي حالت ضمناً دون تشكيل الحكومة خلال مدة وجيزة بما يساعد في انطلاق حيوية العهد ويدفع في اتجاه استعادة الدولة دورها وهيبتها، والتي لا تتصل بالحصص والحقائب، بل بما هو أهم أي تفشيل النظام.
العراقيل التي أخّرت تشكيل حكومة سلام التي يفترض انها جاءت لمهمة انتخابية محددة، يفترض ألا تقاس بالعراقيل الضمنية والعقد المضمرة، التي يمكن ان تؤخر تشكيل أولى حكومات العهد، على رغم أنها حكومة تأتي لمهمة محددة، أي اجراء الانتخابات النيابية ثم الاستقالة، لأن المطلوب في العمق يبقى عند حدود السؤال الأساس:
هل يريد الجميع فعلاً ان ينجح عون والحريري في رسم خريطة طريق تخرج لبنان من مضيق سياسة تعطيل الدولة وتعيد ترميم النظام على قواعد اتفاق الطائف، ام ان رغبة البعض المضمرة مستمرة دائماً في سياسة التعطيل، كعامل تيئيسي يمكن ان يفضي الى اسقاط الاقتناع بجدوى الاستمرار في نظام لا ينتج غير الأزمات؟!