ستحتاج مخيلاتنا الى الكثير من البراعات لتصور السيناريو الافتراضي الذي سيسلكه الصراع السياسي على قانون الانتخاب حين تهبط نعمة ولادة الحكومة الجديدة على اللبنانيين .
 

وقبل أي مقاربة باردة للمأزق الآتي بعد مخاض تأليف الحكومة لا بد من إنعاش الذاكرة بحقيقة ثابتة مزمنة هي ان التشريع الانتخابي لم يكن مرة على البارد وكما تقتضي أصول التشريع الجاد الذي تتجاوز معاييره الظروف الوضعية واللحظات الصراعية والخلافية متى اريد للقوانين ان تطور بلدا ووطنا ودولة . آخر التجارب الماثلة في إثبات هذه الحقيقة يجسدها القانون النافذ الحالي الذي وضع في الدوحة على وقع دموي آنذاك عقب عملية 7 أيار وعدّ من انجازات التسوية القسرية . لكن الامر يختلف الآن وترانا أمام مرحلة تعجيز تختلط فيها حرب النيات المضمرة حيال القانون النافذ او القانون الجديد الذي يكاد التوافق عليه ان يكون مستحيلاً، فيما تضغط بداية العهد العوني بكل إلحاح لعدم التسامح مع تمرير الانتخابات المقبلة بقانون الستين . تحترف الطبقة السياسية الحالية (الا القليل من قواها ) التحكم بسلاح استهلاك الوقت وحرقه الامر الذي يفضي غالبا الى فرض أمر واقع يحتم تسويات عرجاء . يجري الآن ضرب طبول الاتهامات المتبادلة بشبهة السعي الى تمرير قانون الستين على وقع العد العكسي لحشرة الوقت فيما تتعقد تباعا عملية تأليف الحكومة بحيث يضيع الناس بين حروب الخبثاء فلا يعرفون من يعطل من؟ أهي الولادة الحكومية المتعثرة يراد لها ان تمرر قانون الستين؟ أم ان قانون الستين سيضحى العقاب لمن استخف طويلا بلعبة حرق الوقت، هذا اذا صحت نيات الصارخين بقوانين النسبية ومحو "آثار" عدوان الستين؟
في كل أحوال اللغو الصاعد على ألسنة القوى السياسية والمصحوب بحمى اعلامية جارفة نجدنا امام معادلة الاستحالات المسدودة تماما والتي نعجز عن تصور مساربها ومخارجها المحتملة الا اذا امتلك العهد العوني الوصفة العجائبية التي من حقنا ان نشك كثيراً في امتلاكه لها حتى إشعار آخر . هي معادلة شيطنة قانون نافذ لكونه صنيعة مصالح وتحالفات ستقود الى نشوء غالبية مماثلة لتلك القائمة منذ 2008 وفي الوقت نفسه تمجيد قوانين النسبية، مختلطة كانت ام صرفة، فيما يستحيل اجراء الانتخابات في موعدها اذا ابصرت النسبية النور بفعل عجائبي . وبين شيطنة من هنا وتقديس وتمجيد من هناك ترانا نسأل : أين كان دعاة القوانين المحدثة والغيارى المحروقين على قانون جديد سحابة سنتين ونصف السنة من حقبة الفراغ الرئاسي والتي كانت لتكون أفضل الفسحات وأطولها اطلاقا لتمرير تشريع حقيقي لقانون انتخابي لن يغدو مادة لاهبة للانقسامات في القريب العاجل ؟ هل نسينا ذاك العنوان السحري لتشريع الضرورة الذي صم آذاننا طوال حقبة الفراغ واستحال معه إدراج قانون الانتخاب كأولوية ؟ لننتظر الاعجوبة المستحيلة !