انتهاء الشغور الرئاسي الطويل أراح قائد الجيش العماد جان قهوجي إذ أنهى طموحه الرئاسي، وجعله يركّز على المؤسّسة العسكريّة وعلى حمايتها البلاد على الحدود وفي الداخل.
 

هذا ما يقوله مُتابعون للوضع اللبناني. لكن مُتابعين آخرين يرون في هذا القول "غمزاً ولمزاً" باعتبار أن السعي إلى تحقيق الطموح لا بدّ أن يكون على حساب المهمّة الأخرى الأكثر أهميّة. يعترف هؤلاء بالطموح الرئاسي لـ"القائد". وهو عبّر عن ذلك أكثر من مرّة وبشفافيّة. لكن الانصاف يقتضي الإشارة إلى أنه لم يوظّف موقعه من أجل زيادة حظوظ رئاسته. وهو الآن يتابع عمله في قيادة المؤسّسة بتنسيق مع الرئيس الجديد ميشال عون رغم التباينات بينهما في السابق. وهو على استعداد لأن يكمل مهمّته بعد تمديدها الأخير بموافقة غالبيّة الأطراف السياسيّين في البلاد. كما أنه على استعداد للتقاعد إذا قرّر مجلس الوزراء تعيين قائد جديد للجيش قبل انتهاء التمديد. علماً أن ذلك قد يكون مستبعداً رغم أن عون رفض التمديد سابقاً، وفضّل ولا يزال الالتزام بالقوانين. ذلك أن انتخابه رئيساً حصل بأصوات مجلس نوّاب مُمدّد له مرّتين، وهو ربما يفضّل البحث في هذا الموضوع مع الحكومة التي تنبثق من الانتخابات النيابيّة المقبلة أواخر الربيع الآتي أو منتصف الخريف المقبل إذا قرّر مجلس النواب تمديداً "تقنيّاً" لنفسه من أجل إعداد الناس لقانون الانتخاب الجديد واحتراماً للمهل الدستوريّة. ويعزّز هذا موقف عون الذي نقلته "إيضاحات" مُتابعين لحركته. وهو يعتبر أن الحكومة التي يجهد الرئيس المكلّف سعد الحريري لتأليفها بالتعاون معه وفقاً للدستور (يُصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة) لن تكون الحكومة الأولى لعهده بل حكومة مجلس مُمدّد له و"غير شرعي" كما ردّد مرّات. وحكومته الأولى ستنبثق من مجلس نواب منتخب وفق قانون انتخاب جديد يسمح للبنانيّين بانتخاب نواب يمثّلونهم. وقد يكون موقفه صحيحاً نظريّاً، أما عمليّاً فإنه لا يصمد كثيراً. إذ مثلما صار رئيساً بأصوات مجلس "غير شرعي" فإن عليه اعتبار الحكومة الجديدة حكومة أولى في عهده، وفقاً للدستور والتعامل معها على هذا الأساس. فضلاً عن الأوضاع السياسية غير المستقرّة في البلاد، وهو يعرفها جيّداً، قد تؤخّر تأليف الحكومة أشهراً أو أكثر والتفاهم على قانون انتخاب. ومن شأن ذلك إمّا إجراء الانتخابات وفقاً لـ"قانون الستين" الذي يجهر الجميع برفضهم له خلافاً لما يعتمر في نفوس معظمهم وقلوبهم والعقول، وإمّا جعل التمديد التقني أو غير التقني أمراً واقعاً يفرضه قادة "الشعوب" عليها رغم رفضها إيّاه.
في أي حال، المهم في هذه المرحلة هو تأمين المظلّة السياسيّة "الوطنيّة" وإن مثقوبة للمحافظة على الاستقرار الأمني رغم هشاشته. وفي هذا المجال يشعر المسؤولون وخصوصاً العسكريّون والأمنيّون منهم "أن المهم استمرار الهدوء في البلاد". ويعترفون بأن "أموراً سلبية قد تحصل لكنها لن تخرق "الستاتيكو" الأمني الجيّد حتى الآن. إذ أن الجيش ممسك بالحدود ويمنع التكفيريّين والإرهابيّين من المرابطة عليها من جهتيها ومن التسلّل إلى الداخل، ويضبط الأمن إلى حد كبير بالتعاون الجدّي مع الأجهزة والمؤسّسات الأمنية الأخرى. ويبدو أن أميركا تؤيّد استمرار هذا الوضع وتدعمه. وقد عبّر عن ذلك نائب وزير الخارجية الأميركي قبل مدّة أنطوني بلينكن لـ"القائد" قهوجي عندما كان يستفسر منه عن مصير لبنان في حال كانت الحلول في محيطه غير توحيديّة، وعندما كان يطالبه بعدم قبول وضع لبنان على طاولة التفاوض وتالياً "الذبح"، بقوله: "المهم أن يبقى الجيش قويّاً ويقوم بدوره على الحدود وضد الارهاب، والمهم أيضاً المحافظة على الاستقرار في الداخل". طبعاً يشعر الجيش والأجهزة الأمنية بقلق جرّاء احتمال انتقال مقاتلي "النصرة" و"داعش" إلى شبعا إذا نجحوا في الاستيلاء على "حضر" وقرية أخرى قريبتين منها على الجهة الثانية من الحدود. وهم حاولوا ذلك قبل مدّة وفشلوا. وسبب الخشية أن "حزب الله" لا يستطيع أن يتغاضى عن ذلك وسيتصدّى لهم، ويكون لبنان في صراع مذهبي سياسي حاد ويصير في صراع أمني أو عسكري له الصفة نفسها. لكنّهم يبقون متفائلين إلّا إذا قرّرت إسرائيل التي "تعاطت" مع هؤلاء سابقاً في الجولان أن لها مصلحة في إدخالهم لبنان لإشعال فتنة مذهبية فيه.