المعركة الحقيقية في  حلب لم تبدأ بعد، فالتقدم الذي أحرزه النظام وحلفاءه في الأحياء الشرقية هو نتيجة الانسحابات التي قامت بها فصائل المعارضة هناك، لتستطيع أن تلتقط أنفاسها وتستعيد زمام المبادرة بهجوم معاكس أبعد الخطر عن إمكان فصل الأحياء الغربية المحاصرة عن الشرقية. وبحسب الناشط السوري الميداني بهاء الحلبي فإن المعارضة استعادت السيطرة على منطقتي الميسر وثكنة العيون، موضحاً أن النظام كان يسيطر على المنطقتين ويحتاج إلى جانبها منطقتي باب الحديد وقاضي عسكر ليستطيع أن يفصل الأحياء الغربية عن الشرقية، وبعد تقدم المعارضة زال هذا الخطر، ولا تزال الفصائل تسيطر على كرم الطحان والجزماتي.
 
ويبدو أن المعارك العسكرية كالبورصة، فسياسة الكرّ والفرّ تضع دائماً إمكان استعادة المناطق قائماً، وبحسب قراءة الحلبي فإن "المعارضة في حلب بدأت تستعيد زمام المبادرة وتالياً استعادة بعض القرى، لذا تخوض معركة الصمود في ظل رسائل من الخارج بـ "إننا قادمون" في إشارة إلى تعزيزات من المعارضة لمساندة الأحياء المحاصرة". ويرى أن "معركة حلب ليست سهلة والمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد، وما حصل من انسحاب يعود إلى صعوبة القتال في تلك المناطق. إنها مناطق فيها بيوت عربية ويصعب التحصن فيها ومن السهل أن يخسرها النظام سريعاً، فهو اليوم يلعب على وتر دخول أحياء حلب الشرقية لكن المواجهة لم تقع بعد".
ومن المعروف عسكرياً أن وصول مسافة المواجهة إلى الصفر، سيعرقل من عمل سلاح الجو، وتالياً ستكون الكلفة لصالح المعارضة، لهذا لن يكون سهلاً على النظام وحلفائه خوض المعركة برياً، في وقت تحاول فيه روسيا ابرام التسويات لعدم اغراق النظام المعركة، وبكل الأحوال فإن الانظار تنصب أيضاً نحو إدلب التي تتلقى ضربات روسية من حين إلى آخر، وفي حال سقوط حلب ستكون  ادلب هي الخزان المعارض الأكبر. ويتابع الحلبي: "سقوط حلب سيحول المعركة إلى ادلب وقد نشهد ملحمة غير مسبوقة هناك، إلا اذا استطاعت المعارضة امتصاص الصدمة في حلب".
 
وبات أكيداً أن سقوط حلب لا يعني نهاية الحرب في سوريا ولا القضاء على النفس الثوري، فإن الرحلة لا تزال طويلة طالما أن الحل لا يمكن أن يكون عسكرياً. وتحوّلت الأنظار نحو إدلب التي لجأ إليها عشرات الآلاف من السوريين المهجرين من قراهم بفعل سياسة التجويع التي مورست عليهم من النظام وانتهت بما يسمى "المصالحات"، فيما هي تغيير ديموغرافي واضح لبلدات باتت خالية من سكانها ويسرح ويمرح فيها عناصر الميليشيات الحليفة للنظام، وتداول ناشطون عدد كبير من الصور تظهر هذه الميليشيات وهي تدخل المنازل وتأخذ الاجهزة الكهربائية لبيعها.
 
عشرات الآلاف من الاهالي تهجروا من مدنهم إلى ادلب، لتصبح الاخيرة بقعة جغرافية تجسد "وحدة المعارضة"؛ فسكانها من حلب وحماة والرقة، وفي الفترة الاخيرة انضم إليهم المهجرون قسراً بعد تسويات مع النظام سلموا فيها اسلحتهم الثقلية والمتوسطة وخرجوا من القرى المحاصرة بأسلحتهم الفردية مع عائلاتهم إلى أدلب وهي: داريا، المعضمية، قدسيا، خان الشيح والتل. كما في ادلب مخيمات نزوح للهاربين من قصف النظام، ويرى الناشط السوري قصي الحسين أن "النظام اتبع سياسة التهجير أخيراً لتفريغ دمشق وريفها من المعارضة في شكل كامل وزجهم جميعا في ادلب، فقسم منهم يخرج الى تركيا وقسم آخر يبقى في إدلب ويلتحق بالفصائل العسكرية الموجودة هناك".
 
ويلفت الحسين إلى أن "المنطقة المحررة التي يتميّز بها الشمال السوري وتعد أكبر منطقة في سوريا، تمتد من ريف حماة الشمالي الى منطقة جبل التركمان في ريف اللاذقية وريف حلب الغربي في شكل كامل ومحافظة ادلب وريفها وجميع هذه المناطق مفتوح بعضها على بعض".
 
فكيف هو حال إدلب اليوم؟ يقول الحسين: "هناك إدارة مدنية بإشراف جيش الفتح وهيئات مدنية ومنظمات مجتمع مدني وجمعيات هي مسؤولة عن إدارة المحافظة وريفها"، مشيراً إلى أن "الفصائل الموجودة في ادلب منوعة وأكبرها وهو جيش الفتح الذي يعد أكبر مكون معارض في سوريا، ويضم اضخم واكبر الفصائل كجبهة فتح الشام وحركة احرار الشام ولواء الحق وجيش السنة وحركة نور الدين الزنكي وصقور الشام واجناد الشام، اضافة إلى فصائل الجيش السوري الحر وأضخمها هو جيش ادلب الحر الذي يضم عدداً من فصائل الجيش الحر في ادلب تحت مسمى ومجسم واحد".
 
الجبهات في إدلب هادئة، اذ يلفت الحسين إلى أن "لا جبهة مفتوحة في مدينة ادلب ضد قوات النظام، ولا نقاط للأخير في المحافظة سوى بلدتي الفوعة وكفريا. وتعيش القريتان هدنة وقّعت بين "جيش الفتح" ووفد من إيران في مدينة اسطنبول قبل فترة زمنية، واهم بنود الهدنة هو وقف الاقتتال والقصف على البلدتين مقابل وقف قوات النظام و حزب الله المعارك والقصف على مدينتي مضايا والزبداني في ريف  دمشق، ومن البنود ايضاً اجلاء الجرحى وكبار السن وادخال المواد الغذائية والطبية لكل من الفوعة وكفريا والزبداني ومضايا. لكن قوات النظام والطيران الروسي خرقوا الهدنة مرات عدة ولم تتوقف الطائرات الروسية او السورية عن قصف المدنيين في مدينة ادلب او باقي المدن المشمولة في الهدنة، فيما لا يزال جيش الفتح ثابتاً على هدنته ويسمح لقوافل الاغاثة بالدخول الى بلدتي الفوعة وكفريا".
 
لإدلب طريق باتجاه تركيا، ويوضح الحسين أنه "لا يوجد أي معبر للشمال المحرّر سوى المعبر التركي، وهناك معابر عسكرية حيث يقوم مقاتلو غرفة عمليات درع الفرات بالدخول والخروج من تركيا من طريق المعبر اذا يتم الانتقال من إدلب باتجاه تركيا وبعدها الدخول إلى جرابلس".
 
بحسب الحسين، فإن أي معركة "ستنطلق في ريف حماة او حلب ستكون من إدلب لان معظم المقاتلين هناك من أبناء ادلب وريفها، وليس لديهم أي جبهات مع قوات النظام في محافظتهم".
 
وبعد السيناريو الذي وقع في حلب يعيش الاهالي في إدلب هواجس انتقاله إلى مدينتهم، وتكون بمثابة ابادة للمعارضة في آخر خزاناتها الكبيرة. وفي هذا الإطار، يقول الحسين: "هناك تخوف مستمر خصوصاً بعد السياسة التي انتهجتها قوات النظام والطيران الروسي والميليشيات الإيرانية في خصوص سياسة "الأرض المحروقة"، فيتم حرق وتدمير المنطقة بالغارات الجوية وراجمات الصواريخ ثم يدخلونها لرفع راية الانتصار والفرح. وما يتخوّف منه اهالي إدلب هو حملة للطيران الروسي والسوري لأن ادلب صارت البقعة المحررة الأكبر في سوريا، وخصوصاً بعد توافد ألوف المهجرين من ريف دمشق".