لم تكن الهجمة الديبلوماسية العربية والغربية في اتجاه لبنان مستغرَبة. فإنجاز الإستحقاق الرئاسي لم يكن حدثاً محلّياً عادياً، وقد شاركت غالبية العواصم العربية والغربية في إنجازه، فضلاً عما يشهده البلد الصغير من تطوّرات كونه من دول الجوار السوري وعضواً في الحلف الدولي ضد الإرهاب. ولكن ما هي الرسائل التي يمكن قراءتها؟كان طبيعياً أن تشهد بيروت مثل الحركة الديبلوماسية التي بدأت إثر انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فالحدث لم يكن عابراً وقد شغل اللبنانيون أصدقاءهم العرب والغربيبن بشؤون الإستحقاق وشجونه منذ أكثر من عامين سعياً لإنهاء الشغور الرئاسي.

ومردّ هذا الإهتمام الذي حظي به لبنان، على ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية، عوامل عدة أبرزها يكمن في العوامل الجغرافية التي أوجدته في قلب الأزمة السورية التي أرخت بظلالها السلبية على العالم أجمع وجعلت من دول الجوار مواقع لأخطر الأزمات الإنسانية والأمنية في القرن 21 نتيجة المخاطر التي تسبّبت بها الحروب المنتشرة على أكثر من 72 جبهة عسكرية على مساحة سوريا.

عدا عن تلك التي كانت تُخاض الى جانب حدود دول الجوار وأخطرها تلك التي ألغت الحدود مع العراق وهدّدت الحدود الأردنية والجولان السوري المحتل ولبنان بعد «غزوة عرسال».

على هذه الخلفيات، أبدت المصادر الديبلوماسية ارتياحها الى ردات الفعل العربية والغربية على انتخاب عون وتوقفت بإهتمام عند زيارتَي الموفودَين السعوديَين الوزير ثامر السمهان والأمير خالد الفيصل وكذلك زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمود ظريف. واكتسبت الزيارتان السعودية والإيرانية أهمية تفوق بقية زيارات الموفدين، لأنّ القائمين بهما هما من طرفَي التفاهم الذي أدّى الى النفاذ بالإستحقاق الرئاسي.

وعليه، تميّز المصادر نفسها بين الزيارات الديبلوماسية وتقرأها بعيون مختلفة، فلا يمكن وضع زيارة الموفد السوري في خانة زيارة الموفد القطري، فلكلٍّ منهما نكهته الخاصة بحجم ما يراهن عليه اللبنانيون من محاولات النأي بالنفس عن الأزمة السورية والتقرّب من دول الخليج العربي وترميم العلاقات الإقتصادية والمالية والديبلوماسية والسياحية معها إن سمحت بعض القوى التي تراقب بقلق إعادة مسار العلاقات الطبيعية معها.

أما وبعد، فقد إتخذت الهجمة الديبلوماسية الجديدة طابعاً آخر.. ولذلك اكتسبت زيارتا وزيرَي الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والألماني فرانك فالتر شتاينماير أهمية خاصة تشبه الى حدٍّ بعيد الإستعدادات الجارية لإستقبال نظيرهما الكندي استيفان ديون الإثنين المقبل وهي تتجاوز تقديم التهاني لتلامس ملفات أكثر دقة.

وعن الأهمية التي تكتسبها زيارة جاويش اوغلو، فهو أنهى للتو زيارة بالغة الدقة لطهران وتزامنت مع حوار مفتوح على أكثر من مستوى ديبلوماسي وعسكري وميداني بين أنقرة وموسكو تردّدت فيه الشؤون اللبنانية عند البحث في الشؤون العسكرية وتردّدات ما يجري في حلب وأزمة النازحين.

فالمسؤول التركي يشرح في جولاته الدولية الظروف التي دفعت بلاده الى خوض عملية «درع الفرات» ويبرّر بأنها لـ«حماية الأمن القومي التركي»، ويبحث في ما تركته من ترددات سلبية على علاقة تركيا ببعض دول الحلف الدولي واتهامها بالتخلّي عن المعارضة في حلب مقابل السماح لها بإنهاء الحلم الكردي بكيان مستقل على حدودها.

والى الزيارة التركية تتوقف المصادر عند زيارة الوزير الألماني الذي تشارك بلاده في القوة البحرية في «اليونيفيل» ودورها مهم في استيعاب النازحين السوريين في اتجاه اوروبا وقد استوعبت مليون نازح بينهم اكثر من 300 الف سوري دفعت بهم تركيا الى غرب أوروبا ووسطها.

عدا عن تأكيد إستعداد بلاده لدعم القوى العسكرية اللبنانية في مواجهة الإرهاب ورفع حجم المساعدات الأوروبية للبنان في مواجهة أزمة النازحين على رغم الرفض الأوروبي لإستقبال مزيد منهم عقب العمليات الإرهابية التي هزّت بروكسل وباريس وبيرن وميونيخ واستوكهولم مع الإستعداد للبحث في مشاريع محلّية تخفّف من عبء النزوح على لبنان ولا توسع انتشاره.

أما زيارة الوزير الكندي فلها نكهة مختلفة سيفتح في شأنها النقاش عند وصوله الى بيروت. فلبلاده برامج خاصة لإستيعاب النازحين ومن بينها برنامج يهدف الى لمّ شمل العائلات السورية التي زادت على 8000 عائلة جمعت من الأردن ولبنان وتركيا والعراق في إطار برنامج يؤدّي الى استعداداتٍ كندية لاستقبال 25 ألف عائلة.

وما بين هذه الهموم تبقى الإشارة الى أنّ في ملفات لبنان قضايا أخرى طرحت على الموفدين الدوليين وتبدأ بالدعوة الى الإستفادة من توسع «المناطق الآمنة» في سوريا وإحداث أُخرى لتستقبل الموجودين في لبنان لأسباب اقتصادية.

عدا عن الهم المتصل بثروة الغاز والنفط في المنطقة الإقتصادية البحرية وهو ملف طُرِح مع الوزير التركي تحديداً، عدا عن البرامج المعدّة لتعزيز القدرات العسكرية والأمنية للقوى اللبنانية في مواجهة المخاطر المحيطة بلبنان من كلّ صوب.