ظنّ اللبنانيّون أن "التغيير" الذي تضمّنه اتفاق الطائف سيُنهي الحروب في بلادهم، وسيُنشئ الدولة التي تجعل ولاءهم للوطن يسبق ولاءاتهم الأخرى، والتي تساوي بينهم في الحقوق والواجبات وتؤمّن لهم الحرية وليس الفوضى، ومعها حياة مستقرّة واقتصاد مزدهر وفرص عمل وأمن. لكن ظنّهم خاب لأسباب عدّة يعرفونها وأبرزها عدم اهتمام سوريا التي كُلّفت مساعدتهم لتنفيذ "التغيير" الذي نُصّ عليه إلّا بتطبيق ما يبقي امساكها بهم "شعوباً" متخاصمة ومتقاتلة، ويؤسّس دولة تضمن ذلك. علماً أن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى مسؤوليّتهم هم قبل سوريا عن ذلك لأن اتفاقهم عبر نوابهم في السعودية لم يلغِ من نفوسهم تعلّق كل منهم بلبنانه المُناقض للبنانات الآخرين، ولا التصميم على الوصول إليه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة والسلميّة وغير السلميّة.
ويظن بعض هؤلاء اللبنانيّين اليوم أن الفرصة متاحة لتحقيق "التغيير" في ظل "شعور" المسيحيّين أنهم أتوا بالزعيم الأقوى في طوائفهم إلى رئاسة الجمهورية، وأنهم قادرون بواسطته على استعادة "الميثاقيّة" التي غابت منذ 1975 والصلاحيات الرئاسيّة والدور المميّز. وكذلك في ظل بداية تعاون ربما يتحوّل تحالفاً بين الشيعة المُمثّلين بـ"ثنائيّتهم" الحاكمة والسُنّة الممثّلين بـ"تيار المستقبل" الأقوى عندهم رغم ما أصابه جرّاء غياب زعيمه طويلاً، والمسيحيّين بـ"أقويائهم" و"الضعفاء" رغم ظلم هذا النوع من التصنيفات.
فهل يخيب ظنّهم مرّة ثانية؟
ليس الهدف من طرح السؤال وجود جواب جازم عنه أي نعم أو كلا، ولا التشكيك في قدرات المذكورين أعلاه الحاكمين شعوبهم أو الغالبيّة في كل منها. بل هو للإشارة بعقل وتجرّد إلى التغيير المطلوب وإلى الطريق المُوصلة إليه، وإلى الأسباب التي تجعل التغيير الذي يوحى للبنانيّين أنه تحقّق أو سيتحقّق لا علاقة له بالتغيير الفعلي. فضلاً عن أن الطريق إليه ليست النموذجيّة. التغيير الفعلي هو المتدرّج تطبيقه. وقبل ذلك هو الواضحة معالمه بل خطواته وأهدافه. وهو يبدأ بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهوريّة كي يستطيع أن يكون حَكَماً كما نصّت "وثيقة الوفاق الوطني" في الطائف ثم الدستور المنبثق منها، لا كي يعود الرئيس الذي نص عليه دستور 1926 بتعديلاته التي كان آخرها عام 1943. فذلك مستحيل لأسباب يعرفها الجميع ليس أقلّها الخلل الديموغرافي الذي سيزداد مع الوقت، وسيؤثّر لاحقاً على المسيحيّين ودورهم في الدولة التي أنشأها الانتداب الفرنسي من أجلهم رغم المناصفة ووقف العدّ الذي نُصدّق من وعد به ولا نعتقد أن "ورثته" سواء من عائلته أو غيرها قادرون على الوفاء به إلى ما لانهاية. من التعديلات المطلوبة مثلاً أن يتساوى على الأقل الرئيس مع الوزراء في رفض توقيع المراسيم وغيرها، وتالياً في "تنويمها" في الأدراج إذا رآها غير مناسبة. ومنها أيضاً إعطاؤه حق اقتراح حلّ مجلس النواب على مجلس الوزراء وإعطاء الأخير حق الحلّ، إذ بذلك يعود شيء من التوازن بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة ومع رئاسة الدولة التي ليست جزءاً من الثانية ويجب أن لا تعود جزءاً منها.
ومن التعديلات المطلوبة لاحقاً أولاً تصحيح ما نُفّذ خطأ من "اتفاق الطائف"، طبعاً بعد اطلاع الناس على قرارات يُقال إنها اتّخذت في أثناء البحث فيه وتقرّر تنفيذها من دون إدراجها في متنه. علماً أن ذلك يطرح سؤالاً مهمّاً هو الآتي: هل كان واضعوه من النواب خجولين منها أو خائفين من اطلاع "شعوبهم" عليها؟ وثانياً فتح "الباب على المستقبل" الموجود في "الاتفاق" المذكور بجعل مجلس النواب لا طائفي ولا مذهبي، وبإنشاء مجلس شيوخ طائفي ومذهبي ولكن بصلاحيّات تكمّل صلاحيّات المجلس الأوّل. وبذلك يصبح متعذّراً مرور أي شيء يُعيد الطائفيّة أو المذهبيّة أو يُهدّد الكيان اللبناني ووحدة شعبه وسلامة جغرافيّته. طبعاً تناسى اللبنانيّون وبمساعدة سوريا يوم كانت فيه "الباب" المذكور إذ لم تكن لهم مصلحة فيه. ويفترض أن لا يتناسوه مُجدّداً بل أن يُسرعوا في فتحه بتجاوز المهل المنصوص عليها في "الاتفاق" ثم الدستور حول المجلسين. وهذا واجب وطني على اللبنانيّين تنفيذه الآن قبل الغد تحوّطاً لحرب أهليّة أخرى مسيحيّة – مسلمة أو سُنيّة – شيعيّة، أو لحرب إرهابيّة لا بدّ أن تتسبّب بها تطوّرات سوريا والعراق بل المنطقة إذا لم يكونوا واعين. ويساعد على وقوعها وجود مليون و500 ألف نازح سوري على أرضهم يُضاف إليهم اللاجئون الفلسطينيّون.
هل هناك حاجة إلى إصلاحات أخرى تُحقّق "التغيير" المطلوب؟