عكستْ زحمة الزيارات المتزامنة لوزراء خارجية كلّ من ألمانيا وتركيا وكندا الى بيروت الأهمية المعلَّقة اقليمياً ودولياً على العهد الجديد في لبنان وضرورة اكتمال نصاب المسار الدستوري الذي بدأ مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية قبل 33 يوماً باستيلاد الحكومة التي كُلّف الرئيس سعد الحريري تشكيلها في 3 نوفمبر الماضي.

واذا كانت «الموجة» الاولى من الحركة الديبلوماسية في اتجاه بيروت وتحديداً زيارة الأمير خالد الفيصل ونقله دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للرئيس عون لزيارة السعودية أثارتْ «ارتدادات سياسية» طاولت شظاياها ملف تشكيل الحكومة وبلغت حدّ تشكيك فريق 8 آذار في الخيارات الاستراتيجية لعون، فإنّ المفاجأة التي شكّلها هجوم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من على منبر الخارجية اللبنانية امس على الرئيس السوري بشار الأسد «الذي لا يمكن ان يبقى في السلطة» اعتُبرت تطوراً مربكاً سياسياً ولكنه لا يُتوقّع ان يترك تداعيات على المناخ المستجدّ الذي أشار الى معاودة الاتصالات وبقوة لحلحلة التعقيدات امام ولادة الحكومة.

وأشارت أوساط سياسية مطلعة الى اعتباريْن أمْليا تزخيم مسار تأليف الحكومة: الأوّل استشعار الثنائي الشيعي حركة «امل» (الرئيس نبيه بري) و«حزب الله» بخطورة استفحال الأزمة مع الرئيس عون والتي كانت عبّرت عن نفسها بهجوم عبر مقالات صحافية كما بمواقف للرئيس بري، عكست استقطاباً مارونياً - شيعياً من شأن استمراره ترْك آثار بالغة السلبية ليس فقط على العلاقة مع رئيس الجمهورية بل يمكن ان تكون لها ارتدادات ايضاً على التوازنات السياسية في البلاد بحال تمّ الإمعان في «دفْع» عون، الذي يرتبط مع «القوات اللبنانية» بتحالف متين مستجدّ، الى «مركب» الحليف المسلم لـ «القوات» اي «تيار المستقبل» (الرئيس سعد الحريري)، وهو ما يشكّل معطى سياسياً جديداً لا يصبّ بالتأكيد في مصلحة الثنائي الشيعي ويُظهِره «معزولاً» داخلياً.

اما الاعتبار الثاني فهو «جرس الإنذار» الذي شكّله تشكيك وزير الداخلية نهاد المشنوق في إمكان التفاهم على قانون جديد للانتخاب في المهل القصيرة الفاصلة عن بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية (مايو 2017) وتلميحه الى بقاء قانون الـ 60 الحالي، الأمر الذي لا يريده «حزب الله» وحلفاؤه الذين يعتبرون التوصل الى قانون جديد على أساس الاقتراع النسبي (ولو غير الكامل) أمراً استراتيجياً في عملية إعادة صوغ التوازنات السياسية او أقلّه الاحتفاظ بـ «خط دفاعٍ» أمام اي تكتل سياسي متعدد الطوائف يمكن ان يحاصر الثنائي الشيعي ضمن دائرته المذهبية بما يجعل ثقله السياسي بحجم حصّته الطائفية.

وبحسب الأوساط السياسية فإن كلام الرئيس بري «التراجعي»، الذي اعلن فيه «لن يوقع أحد بيني وبين الرئيس عون» مقدّماً تفسيراً دينياً لعبارة «الجهاد الاكبر» التي كان أطلقها قبيل الانتخابات الرئاسية والتي تعني «جهاد النفس»، يعكس قراراً من الثنائي الشيعي بمعاودة ترتيب الاولويات بعدما بدا الترابط واضحاً بين الحكومة وقانون الانتخاب والانتخابات النيابية، لا سيما ان عون يلاقي «حزب الله» و«أمل» في موضوع النسبية التي تُعتبر بمثابة «الجائزة الكبرى لهما. علماً ان بري حذّر من«أن اعتماد الستين سيتسبب باندلاع أزمة وطنية».

ومن هنا تتركّز الاتصالات حالياً على معالجة عقدة النائب سليمان فرنجية (تيار المردة) على قاعدة تقديم عرض له من خارج حقائب الأشغال والطاقة والاتصالات التي يصرّ على إحداها، وسط معلومات عن مسعى اولاً للتوصل الى اتفاق«جنتلمان»بأن هذه آخر العقد، وعن ان الخيارات المتاحة تراوح بين منْح الصحة لفرنجية على أن تبقى«الأشغال»لـ«القوات»اي يتراجع عن التمسك بها بري ليحصل على التربية، أو ان تؤول«الصحة»الى«القوات»مع ضمانات بألا يتنازل رئيس البرلمان عن الأشغال لـ«المردة» التي تقبل حينها بالتربية.