كم يحتاج أحدهم أن يكون بارد الأعصاب، واثقاً، مُطمئناً، ليَقترب مِن حاجز ثابت لقوى الأمن الداخلي، حاملاً بندقيّة صيد، فيقف أمام رجل الأمن ثمّ يُطلِق عليه النار، على رأسه تحديداً... ويقتله! هكذا قُتِل الدركي محمد العرب، قبل بزوغ فجر أمس، في ليلة لم يتوّقف فيها هطول المطر. حصل هذا عند المدخل الجنوبي لضاحية بيروت الجنوبيّة. هناك، عند الحاجز الأمني المعروف بـ"خطيب شبعا". تلك الأحياء الواقعة بين الشويفات وحيّ السلّم. منسوب الثقة عند القاتل، سيدفعه إلى أخذ السلاح الرشاش للقتيل، كغنيمة ربّما، بعدما أصبح الأخير جثّة ممدّدة على الأرض. قيل إن "الكاميرات" المثبّتة هناك غير كافيّة لتحديد ما حصل بدقّة. ليل أمس كان حالكاً، تخرقه لمعات البرق، يليه صوت الرعد، والمطر "كبس"... في هذا الجو حصلت الجريمة. القوى الأمنيّة، بعد مضي النهار، لم تكن قد عرفت هويّة القاتل. بيان العلاقات العامة اكتفى بالقول: "التحقيقات جارية بإشراف القضاء المختص لكشف ملابسات الجريمة وتوقيف الفاعلين".

أيّ إهانة لقوى الأمن، بل لمفهوم الأمن أصلاً، أن يَحصل ما حصل بهذا الهدوء المُريب! أيّ رعب يُمكن أن يُصيب الناس "العاديين" عندما يَرون أن الأمن نفسه يُغتال بهذا البرود!

الحاجز الذي شهد الجريمة هو واحد مِن عشرات الحواجز المنتشرة حول مداخل الضاحية. كلّ أبناء المنطقة يَعرفون رجال الأمن الذين يقفون عند هذه الحواجز. يَعرفون بساطتهم، تحديداً. يَعرفون أنّهم مجرّد موظّفين، يكرهون وقفتهم تلك، لكنّ لا بدّ للشهر أن ينقضي حتى يقبضوا رواتبهم. ليس لهم ناقة ولا جمل ولا حتّى أرنب في "القضايا الكبيرة". محمد العرب، قتيل أمس، ابن الـ 31 عاماً، هو ربّ أسرة ولديه طفل صغير. مَن قتله؟ قوى الأمن لن تتحدّث بشكل رسمي. سنعرف، مِن تحت لتحت، أنّ الحادثة ليست "إرهابيّة" (كما اعتقد البعض بداية). ماذا إذن؟ الجواب: يقف خلفها "زعران المخدّرات". بتعبير أكثر عاميّة، وبحسب أحد العارفين، فإنّهم "الحبحبجيّة". ناشطو عوالم الحبوب المخدّرة. لا بُدّ أن تتضح الصورة أكثر لاحقاً. ذلك، حتماً، لن يُعيد الشعور بالأمن، كما لن يُعيد العرب إلى الحياة. لكن أقلّه ليَعرف طفلٌ، عندما يَكبر، لِمَ قُتِل والده.

(الأخبار)