متابعو العماد ميشال عون من قرب يقولون إنه "مجروح". الجرح الأول قام به النائب سليمان فرنجية بعدما شعر أن رئاسة الدولة صارت في متناوله. فهو تخلّى من موقفه المعلن وجوهره أن عون هو مرشح "الفريق" الذي ينتميان اليه. وراح يتحدث في مجالسه السياسية والاعلامية عن اتفاق مع "الجنرال" على أن يكون مرشح الخطة "أ" إذا توافرت ظروف انتخابه. وفي حال التعذّر يتبنّى الفريق الخطة "ب" وهي ترشيح فرنجية وانتخابه. علماً أن المعلومات الدقيقة تفيد أن زعيم "المردة" طرح الخطة المذكورة، ثم سأله: "هل تؤيدني للرئاسة إذا ثبُتت لك قلة حظوظك؟"، وكان جواب "الجنرال": كلا. فأنا مستمر في ترشيحي الى الآخر". بقية القصة معروفة، رشّح الرئيس سعد الحريري فرنجية وساهم أطراف عديدون في تأمين تأييد داخلي وخارجي له، فاندفع وتسبّب في اندلاع معركة سياسية وإعلامية مع عون. وكان فرنجية فيها قاسياً جداً رغم نصائح حلفائه الأساسيين، لم ييأس عون واستمر مرشحاً بدعم من الحلفاء الأساسيين الذين أبلغوا الزعيم الزغرتاوي أنهم يؤيدونه واستمرت المعركة.
الجرح الثاني تسبّب به بحسب المتابعين أنفسهم الرئيس نبيه بري، علماً أن الفرق بين "جرح فرنجية" و"جرح برّي" أن الأول ليس قديماً رغم أن الودّ بين من قام به ومن عانى منه لم يكن دائماً، ربّما لأن جبران باسيل الأقرب الى "الجنرال" كان أحد منفّري فرنجية. في حين أن الودّ بين بري والجنرال كان شبه مفقود ولا يزال ربما بسبب اختلاف الكيمياء بينهما كما يُقال. لكن العلاقة بينهما لم تهدّد "معسكرهما" بسبب حرص مرجعيته، أي "حزب الله"، على تذليل كل خلاف عند نشوئه بما له من رصيد. الا أن اقتراب موعد إحالة قائد الجيش الى التقاعد فتح وقبل أشهر باب البحث عن خليفة له. كان للعماد عون مرشّح كفوء جداً هو العميد شامل روكز. لكن العقبة الوحيدة التي وقفت على الدوام في وجه وصوله الى قيادة المؤسسة العسكرية كانت أنه "صهر الجنرال" وذاهب الى التقاعد، وأن الأخير مرشّح جدّي جداً للرئاسة. ووصول الاثنين الى الموقعين قد يقيم حكماً قوياً بل متحكماً. وطبعاً لا مصلحة في ذلك للسياسيين وبرّي من هؤلاء. لكنه كان يقول: "أنا لست ضد روكز. لكن "الجنرال" سيصل الى الرئاسة، ولا يجوز أن يكون صهره قائداً للجيش، أنا مستعد بعد الرئاسة لتعديل قانون الدفاع، وهو لم يطبّق أساساً، من أجل الاتيان بروكز الى قيادته من الاحتياط اذا كان الرئيس غير عون". طبعاً لم يُحَلّ الخلاف وساهم في تعقيد العلاقة بين الزعيمين الشيعي والماروني.
أما الجرح الثالث (ربما لم يشعر به بعد). فتسبّب به ولا يزال الصهر الثاني للجنرال الوزير جبران باسيل، ومعه "ضعف" الرئيس تجاهه وتمييزه إياه عن الآخرين من الأنسباء و"الكبار" في "التيار". وترئيسه له رغم اعتراضات داخلية عدة عقّد نوعاً ما العلاقات داخله وعلى أكثر من مستوى، وطريقة تصرّف باسيل في "التيار"، وهو المعروف بذكائه ونشاطه الفائق وتصميمه، هدّدت بجعله تحت رحمته وسلطته. وبعد الرئاسة بدأ يعمل باسيل لثقة عون به على أن يكون أشبه برئيس الظل الى جانبه، والوحيد الذي تمر به العلاقات مع عمه. وبدأ يعدّ أو يفكّر بالعمل لتأمين ظروف الخلافة بعد انتهاء الولاية الرئاسية، وبازاحة من يمكن أن يهدد طموحاته وإن أنسباء. فهو مثلاً ليس مع توزير "عديله" روكز ليس لأن وجود صهرين في الحكومة لا يصحّ، وهو كذلك، بل لأنه يريد أن يترشّح للنيابة في كسروان لملء الفراغ النيابي فيها بانتخاب عون رئيساً. وهذا أمر يتنافى مع توزيره. فسأله "العديل" في جلسة عائلية موسّعة بعض الشيء: "هل تريد أن تترشح في البترون". كان الجواب: "نعم". رد "العديل": "لماذا توزيرك لا يتعارض مع ترشيحك للنيابة وتوزيري يتعارض؟" ردّ باسيل بحدة. وحصل جدال لم يشترك فيه روكز وأنهاه الرئيس بطريقته. قد يقول البعض إن هذا "الجرح" عائلي لا يجوز الخوض فيه علناً وفي الاعلام. وقد يكون ذلك صحيحاً لكن إثارته واجبة وطنياً ليس لإذكاء الخلاف أو الصراع بل للفت أطرافه الى أنهم "يجرحون" الرئيس الذي أحبوه ولا يزالون ويهددون ربما فرصة البحث عن حل لأنه غير متيسّر الآن بسبب الظروف الاقليمية، بل للمحافظة على الاستقرار الحالي على هشاشته، والاستعداد لمواجهة التسويات بعد انتهاء الحروب بحد أدنى من الوحدة.