الاعتقاد الذي ساد في أوساط لبنانية وعربية عدة في أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية أن "محور الممانعة والمقاومة"، بزعيمته الجمهورية الاسلامية الايرانية وبذراعه العسكرية اللبنانية العربية "حزب الله"، يفضّل فوز هيلاري كلينتون الديموقراطية على منافسها الجمهوري دونالد ترامب. طبعاً لم يعبّر عن هذا الاعتقاد قادة منه في طهران أو في بيروت، لكن الأوساط المُشار إليها توصّلت إليه جرّاء اقتناعها بأن كلينتون ستنتهج سياسة إيرانية غير بعيدة من سياسة الرئيس المغادر البيت الأبيض بعد أقل من شهرين، خلافاً لترامب الذي التزم علانية أمام مناصريه إلغاء الاتفاق النووي الذي وقّعته المجموعة الدولية 5+1 معها. وجرّاء اقتناعها أيضاً بأن السياسة السورية لكلينتون كما العربية عموماً وتحديداً الخليجية لن تكون مناقضة لسياسة أوباما أو بالأحرى "للاسياسته" الأمر الذي سمح لإيران ولاحقاً لروسيا بالتدخل العسكري المباشر وغير المباشر في سوريا، وسمح أيضاً الآن على الأقل لرئيسها بشار الأسد بالسيطرة على "المفيدة" منها كما تسميها موسكو أو على سوريا "الحضرية" كما تسميها طهران. فالصقورية التي نُسبت إليها ضعيفة الى درجة الاقتراب من "حمائمية" أوباما.
هل الاعتقاد المفصّل أعلاه في محله وخصوصاً بعدما خسرت كلينتون وفاز ترامب بالرئاسة؟
القريبون من طهران في العاصمة اللبنانية يجيبون بالقول أن ترامب لا يزال بالنسبة الى إيران و"حزب الله" مثل الصندوق المقفل على الأقل حتى الآن، وأن لا بد من انتظار فتحه عند استكماله تعيين فريق إدارته وعلى كل المستويات، ثم تسلّمه سلطاته الدستورية في الـ20 من كانون الثاني المقبل. لكنهم يعتقدون أن الظاهرة البارزة حتى الآن ليست مقلقة بل ربما تكون مطمئنة. منها العلاقة "الجيّدة" بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وإعلان الأول غير مرّة استعداده للتعاون مع موسكو لمحاربة الارهاب الذي يمارسه تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وأمثالهما. ومنها أيضاً اعتبار ترامب أن الأولوية الآن هي للمحاربة المذكورة وليس لإزاحة الرئيس الأسد عن السلطة، وتغيير النظام القائم فيها رغم كل ما أصابه ولا يزال يصيبه جرّاء الحرب المستمرة. وهذا أمر يريح "محور الممانعة" كله وخصوصاً الرئيس السوري. ومنها ثالثاً أن إيران ليست قلقه أو مشغولة البال لرفض ترامب "اتفاقها النووي" المعروف قبل انتخابه رئيساً ولتمسكه به بعد وصوله الى البيت الأبيض. ذلك أنه اتفاق دولي أميركا طرف واحد من ستة أطراف وقّعوه. فضلاً عن أنه حظي بموافقة مجلس الأمن عليه بقرار رسمي، وصار بذلك اتفاقاً عالمياً أو دولياً. علماً أن إلغاءه سيكون عملية بالغة التعقيد. وعلماً أيضاً أن ذلك قد يدفعه الى سحب توقيع أميركا له. لكن ماذا عن الدول الأخرى؟ وهل تستطيع القيام بالسحب نفسه؟ والجواب أن ذلك ليس سهلاً على الإطلاق. وفي أي حال يلفت القريبون أنفسهم الى أن إيران كانت مقتنعة بأن ترامب سيفوز بالرئاسة. وقد أطلع وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على ذلك عندما التقاه في بيروت قبل 24 أو 72 ساعة من صدور نتائج الانتخابات. الى ذلك تعتقد القيادات الكبيرة في طهران أن انتخاب كلينتون رئيسة يعني في نظرها استمرار دعم إسرائيل وذلك موقف ترامب أيضاً، وسيُغرق المنطقة في الدم أو بالأحرى سيزيد النزف جرّاء استمرار القتال. فهي ستكون متشدّدة مقارنة بأوباما، وستقدِّم الدعم للمملكة العربية السعودية ودول الخليج وذلك مزعج لإيران. في حين أن ترامب لا "يحب" السعودية ولم ينس في حملته الانتخابية أن 15 من أصل الـ19 إرهابيا الذين نفّذوا عمليات انتحارية في أميركا في 11 أيلول 2001 كانوا سعوديين. وهو يريد أن يدفّعها ثمن الإرهاب الذي تغذيه فكرياً ودينياً ومادّياً. هذا "الارتياح" الى ترامب الرئيس دفع أو هو على أهبة دفع إيران الى التخلّي عن إيصال متشدّد الى رئاسة جمهوريتها، وهي كانت تفكّر في ذلك. ولا بد أن يصب هذا الموقف في مصلحة تجديد ولاية الرئيس الحالي روحاني.
الى ذلك كله، يقول القريبون إن المعارضة السورية ضعُفت وأُحبطت وخصوصاً "جماعة اسطنبول"، وإن هناك قرار إيرانياً - روسياً باستعادة شرق حلب لـ"الشرعية السورية". وبذلك يصبح النظام مسيطراً على سوريا "الحضرية" ويبدو كأنه استعادها كلها. أما المناطق الأخرى فيمكن التعامل معها لاحقاً بالطريقة المناسبة في الحرب أو التسوية السياسية. إلا أن المُقلق، يلفت القريبون أنفسهم، سيكون أو هو موقف تركيا. لماذا؟