لا أعتقد أنّ أحداً سيغضب أو سيبكي ويرتدي الأسود حداداً على موت فريق كامل من الملوك أو الرؤساء والوزراء والنوّاب، ولا أعرف عربياً واحداً سيغشى عليه إن مات مسؤول كبير أو صغير في حزب السلطة أو في المعارضة العربية، ولا أدري إن كان أحد سيصلّي عليهم في المساجد أو الكنائس إن ماتوا دُفعة واحدة في حادث واحد وفي طائرة واحدة أو باص واحد أو قطار أو أيّ وسيلة قادرة على حملهم جميعاً كي نرتاح من أمّة حاكمة منذ أكثر من ألف وأربعماية سنة ولم ترتَح ولم تتعب من الحكم ومعاشرة السلطة وكأنها إمرأة خلقها الله خصيصاً لمتع أولي الأمر من جهابذة الدين والسياسة .
 



سبحانك لا أعتراض على حكمك إن كان ما يحصل من حوادث هو من صنع يديك، وأنا أعلم أنها لم تُصنع على عينك، إنما هي رهينة أسباب لا تفضي إلاّ إلى إزهاق أرواح الناس من البسطاء والدراويش والفقراء وأهل الباحثين عن وسائل العيش بعيداً عن السياسة وطرقها الهالكة، حتى للمغشوشين بها من ذوي الفقر المدقع .
سبحانك لا علم لنا إلاّ بحدود ما نعلم لذا نسألك يا الله : لماذا ملك موتك لا يأخذ إلاّ أرواح من سكن الأكواخ ويترك سكان القصور ويضاعف لهم دنياهم ودنانيرهم ؟ لماذا لا يموت إلاّ اللمم من أصحاب السلطة، سواءً كانوا في الدولة أو في الأحزاب؟ فأنت تعلم يا الله بأن أجيالاً تموت من الموظفين الغلابة ويبقى رئيس الدولة أو الملك أو الحاكم بأمر الله إلى لا مساس وكذلك الحال في الأحزاب السياسية والجهادية والنضالية من منظومة شبكاتنا السياسية في العالمَين العربي والإسلامي إذ إنّ أكثر الموالين الحزبيين يدفنون في السلم وفي الحرب ويبقى الأمناء والرؤساء والأسماء الأولى في الشجرة الحزبية، أحياء لا يموتون لا في قذيفة شاردة ولا في هدف مباشر ولا في كمين ولا في معركة ولا في حادث سير ولا في زلزال ولا في هزّات ولا حتى في تسونامي ولا في طائرة ولا في بر أو بحر، ولا عن ظهر حمار أو حصان أو أيّ دابة من دواب الأرض؛ سبحانك ما الحكمة من مدّ أعمارهم في الدنيا ؟ رغم أنّ البعض منهم يتمنى في العلن أن ترتفع روحه إلى أعلى عليّين ويرفض مجالسة أحد سوى الأنبياء ولا يتمنى حتى أن ينزل منزل من مات معه ومن أجله أو بناءً لتعليماته من المساكين الذين هم من سكنة الأودية في جنّات الله .
حتى من لا يؤمن بالجنة وبخالقها تراه منحازاً لما انحاز إليه أهل الإيمان من دعاة الدنيا وهو منهم في الصحة والعافية والبسطة في السلطة والمال ولا يعرف مرضاً إلاّ بعد عمر طويل جداً ولا يعرف طبيباً ولا يدخل مستشفى ولا يمنع نفسه عن طعام دسم أو سكر مصنّع، فهو يأكل كل شيء حتى أموال الله وينام ويصحو دون أن تعكّر حياته عكرة أو شائبة تُذكر .
حبذا لو يرينا الله ولو لمرة واحدة آياته الجلية في أهل السلطة من الحاكمين الظالمين لعباده في حياتنا لندرك عدله في الدنيا وقبل الآخرة، ولنطمئن بأن الدنيا ليست فقط للنافذين الأغنياء من الجماعة الحاكمة بل للفقراء نصيب منها في العيش والصحة والسلامة والأمن والأمان .
لقد أدمى قلوبنا موت الفريق البرازيلي في الطائرة المحطمة بطريقة غامضة ، وكم كنا نتمنى أن يكون الموت من نصيب من يستحقه من أهل الظلم والطغيان والجبروت ... سبحانك يا الله لا اعتراض ولكن نلفت انتباه عنايتكم إلى من يستحق منك نعمة الموت إن كان نعمة، أو نقمة الموت إن كان نقمة .