من السذاجة بمكان التصديق أو حتى مجرّد الاعتقاد بأن التخبط الذي يعيشه الرئيس المكلّف سعد الحريري لتظهير تشكيلته الحكومية مردّه إلى الاختلافات بين القوى السياسية والحزبية على حقيبة وزارية من هنا أو على وزارة سيادية من هناك.
 



صحيحٌ أنّ مهلة تشكيل الحكومة لن تستنفد بعد ولا زال هناك متسع من الوقت يدخل ضمن المدى المعقول والمقبول للإعلان عن مراسم التشكيلة، إلا أنّ الأجواء التي رافقت عملية انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية كانت تفاؤلية بامتياز. وقد أوحت بأنّ الأمور تسير نحو المزيد من التوافق على بث روح الحياة في مؤسسات الدولة التي أصيبت بشلل تام، وأن كافة الأفرقاء كشفت عن حسن نوايا، وأبدت رغبتها في إزالة أي عراقيل من شأنها تعطيل عمل الدولة. وهي مستعدّة لعدم وضع العصيّ في دواليب العهد الذي وعد اللبنانيين بتفعيل عمل الأجهزة والمؤسسات والدوائر من خلال العودة إلى الدستور والميثاق والعمل تحت ظلّ القوانين المرعية الإجراء، لدرجة أن الغالبية العظمى من الشعب اللبناني باتت قاب قوسين أو أدنى من التصديق بأنّه سيتم تشكيل الحكومة قبل عيد الاستقلال. لكن الرياح جرت عكس ما انتظره اللبنانيون بفارغ الصبر من جهة العودة إلى مشروع الدولة والعمل تحت سقف القانون. 
فالعرقلة الناتجة من توزيع الحقائب الوزارية وتحديد الأحجام من خلال مطالبة كل فريق سياسي حصة من الحكومة بحجم كتلته  ليست أكثر من ظواهر الأمور فيما الباطن يختزِن أمورًا أكبر وأعمق وأعقد من ذلك بكثير وتسير باتجاهٍ جوهري واحد، ويتعلق بإرساء قواعد التعاطي مع العهد الجديد من خلال طرح النظام على الطاولة، إذ إنّ ما لم يمكن أخذه بمؤتمر تأسيسي يمكن الوصول إليه بالممارسة، وذلك باعتماد عملية القضم المبرمجة لحصص الطوائف التي تحصل بشكل تدريجي وتتحول إلى أعرافٍ ما تلبث أن تصبح حقًا مكتسبا. وهذا يفسّر الجدل الذي حصل حول أحقية الطائفة الشيعية بوزارة المال والعودة إلى وثائق الطائف. 
والرئيس نبيه بري الذي يصرّ على المطالبة ببعض الوزارات ليس وحده في هذا الموضوع، بل إنّ حزب الله يقف إلى جانبه ويدعمه انطلاقًا من هواجس شيعية حيال الاندفاعة المسيحية وعودة التواصل مع السنة من خلال (عون - الحريري  ) وسعى رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى سحب عون من محور حزب الله. ما يعني أنّ الأمور قد تصل في نهاية المطاف إلى اشتباك سياسي كبير، سيّما وأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليس أقل من الرئيس بري رغبة في المواجهة، رغم أن الرئيس سعد الحريري يسعى إلى أن يكون متوازنا، حيث يستمر في تشاوره الدائم مع الرئيس بري رغم عتب الأخير عليه والذي بلغ مرحلة الانزعاج. 
وفي هذا السياق تبدو الإشارة ضرورية إلى ما دار بين بري ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن الثاني خلال زيارته إلى بيروت، إذ إن رئيس المجلس النيابي عاد إلى طرح السلة كشرط لتشكيل الحكومة، علمًا أن ما تبقى من هذه السلة يكمن في قانون الانتخابات النيابية. 
لكن رغم التشابك الواضح في المشهد السياسي على الساحة اللبنانية فإن موضوع الحكومة هو قرار عربي وإقليمي ودولي كبير، وستبصر الحكومة النور في لحظة غير متوقعة لجميع القوى السياسية تماما كما حصل في التسوية الرئاسية.