لصديقتي عادة الجمع والاستهزاء، فالآخرة لها آخرات وللآية آيات وللمعجزة معجزات وللقدر أقدار. تجود في سخريتها فتلقى ما تمنّت غير آبهة بالعقاب. ماتت وبمشيئها، وهم يرجمونها "انتحرت". 

نزور القبور ونأتي بالذكر ونرفع الفاتحة من القرآن، نزور القبور لنختم القرآن على ضريحها. نجلس في تلك الناحية، ناحية القبلة ونقول: "اللهم ارحم غربتها وصل وحدتها وآنس وحشتها وآمن روعتها وأسكن اليها من رحمتك رحمة تستغني بها عن رحمة من سواك". حفظتها مع والدتها لأنني أخشى الصمت عند قبرها، فكيف لي بتحية تصلني بها. التزموا بتسابيحه وأنا بي ألحق بهم وألتزم الدعوة وأقرأ الفاتحة بخشوع. الفاتحة، حفظتها لأنني أخشى الصمت عند قبورهم، فيدي تمسح فكانهم لا يعبؤون بها، إنهم ينتظرون الفاتحة فهم ملتزمون حتى بعد موتهم، ينتظرون الرحمة بالفاتحة.  

لنجلس جانباً أو علّنا نستطيع الوقوف بالقرب والتخيّل؟ هل نجحنا وأعطينا ذاتنا كل المتاح من التخيّل؟ 

أشتمّ رائحتهم في غيابهم وأشتهيهم، عصيتُ الغياب ولكنني ما زلت ثابتة عند القبلة. أحببتهم أكثر وآلمني الفراق. آتي بمنديلها وأتمنّاها، أبحث عن ثيابه المطوية في قلب أمّه وأسترجع ذاك الصبي. عاودت الحب وأكثر منه فكان لي أن كفرت. 

الرحمة لفارس يا صديقتي لا تجوز، حرام. هو موت آخر من الشام. لعلّ الرب الذي كفرت به صنع الورود عند حضنه فأنبتت حب الأرض بوسعها. لعلّهم يؤمنون بالرب الذي كفرت به، بالرب الذي لم يتكلّم حتى الآن فانتصرت حروبهم ونعينا أطفالنا. العدل يا صديقتي بأن يفنى الخير في داخلنا فنسترسل بالدمار ونكون مشاركين به. لا أن يحلّق الأقوياء بتلك الطائرات ونحن من الخوف ننتظر الرحيل، ذلك الطائر الشرس يدور سماءه مرات ومرات ونحن الى جانب الدخان نتأرجح. هو المارد من فوق يلقي بصره علينا فيأخذنا واحداً تلو آخر ويجعلنا في صفّه لنرضخ للقصاص. هو ذاك الرب الذي كفرت به يا صديقتي وعاندت طاعته فأزهر لفارس وروداً حيث الأحلام وحيث الخرافات والأقاويل.  

يقال إن المهدي مع عيسى في القدس يسجدان الإثنان معاً.  

تلك معجزة الخلاص للضعفاء من العبيد، فعندما غنّت مريم صالح ودينا الوديدي: "ده ابني أنا وحدي شكّلته في حشاي، ايده الصغيرة دي غازلتها وغازلتني وحاربت الموت معاي" يرتمي أصحاب الأرض عند شاطىء غزة مع "عاهد واسماعيل وزكريا ومحمد" مسرعين في الركض في محاولة للإفلات من رصاص المحتل. في تلك الرواية من الظهور الموعود، وحدهم المستعمرون من اليهود ممن سيستقبل الامام مع النبي في هداية حيث حائط المبكى.

لنسلّم بما يقولون، يوجد نبي ويوجد امام وانتقى الرب لهما الخفاء الأطول. ولكن الأخوين في القدسية سيصليان وفي الوراء جيوش بني اسرائيل، هؤلاء الغزاة الذين جاؤوا لعاهد واسماعيل وزكريا ومحمد في عقر دارهم ولم يمنعهم لا المسلمون ولا النصارى ولم تقم القيامة. فقط أمهات فلسطين سيرشقون تلك الرواية بالحجارة لأن أحداً لم ينقذ أولادهم، لا النبي ولا الامام.  

الأولاد لا يملّون من الحياة، كالطبشور الأبيض على الأرض، يلمّعون وجهها ويعاودون الرسم نفسه، يسطّرون لهوهم بالجري وراء بعضهم فوق تلك الخريطة المصغرة، فهي تأخذ حجمهم وكلما زاد مقاس أرجلهم كلما اتسعت الخريطة وقلّ لعبهم لنجد بعد ذلك رسماً فارغاً بلا أصوات.غريبةٌ عنهم محرقة الكبار، غريبٌ عنهم أيَّ شيءٍ الا تلك الحياة التي تأخذ صفة الفانوس السحري والذي عليه أن يلبي فقط. إنهم أذكياء في أمنياتهم، فهي الحياة فانوس سحري عليه أن يلبي فقط  .
 
  نتكلم عن أي شيء كأننا في مهمة، ونحن غافلون بأن ما يحيطنا ولادة لولادة سابقة وبائسة. أي شيء نحاول فهمه من خلال البحث عن منبعه هو كالزهر الابيض على ضريح تلك الصبية في عمر العشرين، هو رغيٌ لحديث ليس منه سوى قراءة الفاتحة والسلام.