عود الثقاب الذي ألقاه محمد البوعزيزي على نفسه في تونس اعتراضًا على وضعه المعيشي المأساوي لم يكن الشرارة التي اقتصرت على إحراق جسده وأدّت إلى موته في الحال، بل تعدّت ذلك وتحولت إلى كرة نار طالت كافة أراضي بلده ثم انتقلت لتطال معظم أقطار الوطن العربي بشِقَّيه المغربي والمشرقي حيث اشتعلت بعض الدول العربية بحروب أهلية تطورت إلى صراعات إقليمية ودولية تداخلت فيها المصالح الداخلية مع الأطماع الخارجية، حاجبةً أي أمل بإمكانية إيجاد حلول تُنهي تلك الحروب الضارية التي ضربت البنى الاقتصادية والمعيشة والاجتماعية وأتت على معظم المعالم الحياتية في تلك الدول التي أنهكتها الصراعات القبلية والطائفية والمذهبية والقومية. 
فمن تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، إضافة إلى العراق الذي سبقهم بالانزلاق نحو حروب مدمرة للبلاد والعباد. فيما لبنان يعيش على حافة الانهيار نحو الهاوية. والباقي من الدول قد تكون مدرجة على لائحة الانضمام إلى ما أطلق عليه افتراءً "الربيع العربي". 
وإذا كان هدف الكثير من الثورات (ليبيا واليمن وسوريا) لم يكن بطبيعة الحال الحروب والقتل والدمار والإجرام، وإنما البحث عن الحرية والكرامة والديمقراطية. إلا أن مشاريع تلك الثورات ما لبثت أن تحولت إلى حروب طاحنة بعد التقاعس الأميركي والأوروبي عن دعمها بما هو مطلوب وكما يجب من جهة ، ودعم طرف على حساب طرف آخر والعكس صحيح من جهة أخرى، ومن ثم خلق الجماعات الإرهابية والتيارات التكفيرية التي اعتمدت أسلوب الإرهاب العابر للقارات من جهة ثالثة. 
ففي الملف السوري وبعدما تخطّت الثورة السنوات الخمس أصبح واضحًا أن الأمر لم يعد بِيَد السوريين ولا حتى دول الإقليم بل وصل إلى مرحلة الصراع الدولي وتصفية حسابات بين الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وبالتالي فإن الداخل السوري الذي أصبح ساحة صراع معقد ومتعدد الأطراف والأجندات، لا يزال الثوار متمسكين بمطالب الثورة ضد النظام الذي استخدم جميع أنواع الأسلحة الفتاكة وصولًا إلى صواريخ سكود والسلاح الكيماوي المحرم دوليا أكثر من 150 مرة في مناطق يسيطر عليها الجيش السوري الحر. هذا إضافة إلى مظاهر الإرهاب الذي تمارسه الجماعات التكفيرية كداعش والنصرة بحق السكان في المناطق الواسعة التي تسيطر عليها، ذلك أن أفعال القتل والدمار والإجرام أصبحت جزءًا من المشاهد السورية المعتادة ليس على صعيد الأفراد فقط بل على مستوى المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي يفترض بها أن تتحمل مسؤولية الأمن والسلم الدوليين، فتحوّل الأمن والسلم إلى مفهوم غريب لا يكاد يجد له مكانا في المشهد السوري العام. 
الاهتمام الدولي بسوريا لا يتعدى الانشغال بالقشور والذي يقتصر على بعض المساعدات الإنسانية والقلق المستمر الذي يعتصم به الأمين العام للأمم المتحدة مقابل العجز الواضح عن تنفيذ القرارات الدولية على هشاشتها وفشلها في الوقوف الصارم والحاسم إلى جانب الحق والتي باتت حبرًا على ورق. 
أما المعارضة السورية فإنها تعيش حالة من التخبط، وتبحث عن حل وسط كومة قش طالتها ألسنة اللهب وبدأت بالاحتراق. 
وعليه فالمعطيات المحلية والإقليمية والدولية تشير إلى عدم وجود أمل بالحلّ في المدى المنظورن وإلى أن القتل والإرهاب وتوسيع دائرة الصراع ستستمر إلى أجل غير معلوم.