كان عرض الإستقلال ال 73 هذا العام مغايرا عما سبقه كونه ترافق مع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وسط غليان تشهده المنطقة على خط التوتر القائم بين السعودية وإيران.
والملفت في الأمر هو كيفية إنتخاب رئيس للجمهورية يحسبه البعض إنتصار لمحور على محور على الرغم من أن معارك الإقليم لم تنته بعد.
لكن الملفت أكثر في هذا الشأن هي رسائل التحدي التي بدأت توجه إلى الرئيس ميشال عون من قبل حلفائه، وهي رسائل تحرج العهد الجديد الذي ينادي بالدستور وسلطة القانون ويتمسك بالسيادة والإستقلال  بحسب ما ورد في خطابي القسم والاستقلال.

بين خطابي القسم والإستقلال:

أطل الرئيس عون في جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي بخطاب للقسم وضع فيه العناوين الكبيرة لعهده القادم وأثار هذا الخطاب العديد من التساؤلات حول سياسة عون في القادم من الأيام.
إنقسمت الآراء حول  هوية الخطاب فعده البعض مقرب من سياسة حزب الله وعده الآخر قريب لسرديات 14 آذار اليومية حول السيادة والإستقلال.
لكن رسالة الإستقلال التي وجهها عون للبنانيين عشية عيد الإستقلال حسمت أكثر من 90% من أهداف سياسته في المستقبل.
فهو أولا لم يأت على ذكر كلمة المقاومة في رسالته وقال بأن الجيش اللبناني بإستطاعته القيام بدور فعال على الحدود كما يؤديه في الداخل وهذه رسالة قوية جدا تلقاها حزب الله بحذر وأدرك مبتغاها.
والرئيس عون في رسالته ربط بين قيام الجيش اللبناني بدوره الفعال وضرورة تجهيزه وهو الشرط الذي كان ينادي به حزب الله ويتحجج به من أجل الحفاظ على سلاحه.
والسؤال الخطير الذي يخشى حزب الله الإجابة عنه هو  أنه ماذا لو إستطاع ميشال عون تسليح الجيش بأقوى المعدات العسكرية المتطورة في ظل الإنفتاح الدولي خصوصا الأميركي والسعودي على العهد الجديد؟
فلو نجح عون في هذا المجال فإنه سيزيل آخر مبرر لحزب الله للإحتفاظ بسلاحه وهذا سبب كاف لجعل حزب الله يقلق.
لذلك يتبين من خطابي القسم والإستقلال رؤية جديدة يتبناه الرئيس عون تثبت إلى الآن أن ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر غير ميشال عون رئيس الجمهورية وأكثر من عبر بوضوح عن هذه المعادلة هو وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عندما قال:" كان ميشال عون حليفا لحزب الله قبل الرئاسة وأصبح حليفا لكل اللبنانيين بعد الرئاسة".
فهذه اللغة المستجدة للرئيس الجديد والتغير السريع في خطابه جعل حزب الله يوجه رسائل قوية وتذكيرية للعهد بأن هناك حسابات أخرى ومعادلات لا يزال الحزب يمسك بها.
وفي إطار  هذا التوجه الجديد والقلق الذي يعيشه حزب الله جاء إستعراضي  القصير  والجاهلية.

 

 

إستعراضي القصير والجاهلية:

فالإستعراض العسكري النوعي الذي قام به حزب الله موجه بالدرجة الأولى للعهد الجديد برسالة فحواها أن الحزب لن يقبل هذا التغيير السريع في سياسة عون الإستراتيجية ويرفض هذا التقارب الذي بدأ ينشأ بين عون وفريقه الرئاسي وتياره وبين السعودية والذي واكبه تغير في التغطية الإعلامية للتيار و" تطنيش"  عن حرب سوريا وأخبار حزب الله وقتال " التكفيريين " مقابل سياسة مهادنة مع السعودية والتغطية لأخبارها.
لذلك يحاول حزب الله إستعراض قوته كرسالة تحدي لشعارات عون حول السيادة والإستقلال وإخراجه بمظهر الرئيس الضعيف الذي لا يطبق شعاراته.
والقضية لا تحتاج إلى تأويل أو تحليل كبير ليفهم أي مراقب سبب توقيت إستعراض حزب الله العسكري الآن بعد قطيعة مع هذه الإستعراضات منذ 2006.
فهدف الحزب منه بالدرجة الأولى كسر هيبة ميشال عون وإفراغ فحوى  شعاراته وتقديم نفسه أي الحزب على أنه القوة الضاربة والمعطلة والمهيمنة في الدولة وأنه أقوى من الجيش اللبناني.
لذلك جهدت الميديا الإعلامية لحزب الله بعد الإستعراض على التركيز على كلمة " جيش حزب الله"  لزرعها في وعي الجمهور وكرسالة لعون شخصيا إبن المؤسسة العسكرية.
ولم يكتف الحزب برسالة القصير بل أردفها برسالة الجاهلية عبر إستعراض شبه عسكري نظمه الوزير السابق وئام وهاب ل " سرايا التوحيد"  في الجاهلية   ومن قلب لبنان.
والرسالة هنا مزدوجة الغايات فهي بالأول  تقول لعون أن كسر هيبة العهد ستكون من قلب لبنان ولن نكتفي من خارج الحدود وهي بالثانية تخبره أن لا معنى للإستقلال الذي تتغنى به.
فغاية الإستعراضين هو العمل على وعي اللبنانيين من أجل إحباطهم وإفشال أي طموح لهم للإيمان بالدولة والإستقلال الحقيقي من خلال إستهداف شعارات  العهد وإحراجه في بداياته.

إقرأ أيضا :  هل يسهل الرئيس نبيه بري تشكيل الحكومة أو يعرقلها؟

الإستقلال ناقص:

وقد نجح حزب الله حتى الآن في زرع الشك  في نفوس اللبنانيين إتجاه فعالية أداء العهد من خلال هذه الإستعراضات فجاء عيد الإستقلال بلا معنى ومنقوصا من قيم السيادة الحقيقية والحرية التي تشكل ماهية لبنان.
فالرئيس القوي يعني جيش قوي ودولة قوية على أساس معادلة:" الجيش والشعب" أي إستقلال كامل وهذا ما لا يريده الحزب لذلك يسعى جاهدا لإحراج العهد وإضعافه لكي تبقى معادلة القوة التي بنظره هي المناسبة لمصالحه وسياسته والمتمثلة ب :" الجيش والشعب والمقاومة".

فهل المقاومة أصبحت على شاكلة سرايا وئام وهاب ؟!

بقلم رئيس التحرير