لم يزهد أحد من نوّاب الكتَل الكبيرة والصغيرة، ولم يتعفّف أحدهم عن الطلب المباشر بحصّة ولو ببحصة تسند خابية الوزارة، وكل أحزاب الطوائف من ذات اليمين وذات الشمال طالبت وبقوّة بوزارة لأمنائها العامّين والعاملين في سبيل لبنان التابع لدول قريبة أو بعيدة لتوفير ما يُغذّي لبنان من دعم متعدد الاستعمال في السِّلم وفي الحرب الداخليين أو في تحسين شروط مطلوبة مع عدو تاريخي أو ظرفي بحسب الحاجة الملحّة أو بحسب المواصفات المطلوبة في مرحلة سهلة أو صعبة .

فجأة تبيّن وكالعادة مستوى الشعارات المتدنية وخاصة تلك التي لا ترضى إلّا بالحرية والسيادة والاستقلال والسلاح الشرعي والجيش الشرعي ورفض الاعتراف بمخيمات الأمر الواقع وتتمسك بحبل وطني مربوط بأعلى الأرزة وتتماهى مع لونين لا ثالث لهما في ظل غابة من الألوان المصادِرة للونَي الوطن .

من الوطنيين إلى الطائفيين والقوميين وجهابذة في لعبة الدوائر ممّن يتفهّمون إشارات المرور من الأضواء الخارجية للأجهزة المختصة، رافضين اعتبارها تعليمات وأوامر يجب تنفيذها حرصاً منهم على كرامة مخدوشة وبلا استحياء يخطبون باسم المقدّسات والكرامات وما علا من القول والشأن في السياسة والدين .

لم نشهد مؤمناً واحداً بدينٍ ما يؤمن  يمتثل لأوامر ونواهي إيمانه من الإصلاح إلى التغيير، سواءً كان في السلطة أو في المعارضة وخاصة عندما يكون أو يصل إلى السلطة فإنه يحارب الشعارات التي رفعها يوماً كي يصل إلى الموقع الذي يُشرف فيه على بقاء الأزمة والمحنة فلا مكان للحريات والعمل بإطار المؤسسات وتصحيح المسارات في العمل الحكومي في المراقبة والمحاسبة والشفافية وتثبيت منطق فصل السلطات واعتماد الكفاءة والنزاهة في الوظيفة ومنح المعارضات  وحماية السلطة والدفع نحو قانون انتخابي يتسع ويضم جميع العائلات السياسية ولا يمحدل أحداً بفعل جرافات السلطة والطوائف .

لذا يهيمون على وجوههم لنيل إسوارة الوزارة ويستفون تراب الذل للحصول على مقعد غير سيادي وبلا سيادة فالمهم عندهم هو التمثيل الصحيح لمكوّن جائع يبحث عن شيء يسدّ به جوعه في النيابة والوزارة والوظيفة الرسمية ويبكي ويتباكى ويذهب إلى المجلس أو الكنيسة ليثير حفيظة العابدين في صوامعهم وإلى الشارع أو الزاروب الصغير ليحرّض مفتٍ أو مفتن على غُبن لحق بفخذ من أفخاذ العشيرة .

حبّذا لو تستقم أمور البلاد والعباد وتستوي فرص التصحيح لمستوىً سياسيٍّ هابط من أعلى الأدراج والأبراج لنشهد في يوم واحد ولادة الحلم من رحم الكوابيس. 

إنه حلم يتبعه حلمًا آخرَ في أنفاق من كوابيس غير منتهية وفي ظل قوى متسلحة بأعتى أنواع الأسلحة مقابل أشكال رجال لا يملكون من الحقيقة إلاً مقدار ما يزن الحبر في ميزان القوّة .