قبل أقل من عشرة أيام من مناسبة عيد الاستقلال اللبناني الواقع في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني الجاري، استبق حزب الله المناسبة، وخارج أي حسابات سياسية داخلية بادر لإعلان استقلاله عن الاستقلال اللبناني بإحياء ذكرى يوم الشهيد في بلدة القصير السورية؛ وربما لم تعد سورية في الأجندة الإيرانية - الحدودية في ريف حمص قبل ظهر يوم الأحد الماضي، ذلك من خلال إقامة عرض عسكري برعاية القائد العام للمقاومة الإسلامية الأمين العام للحزب ممثَّلا برئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين إضافة إلى أركان القيادة العسكرية في الحزب. وشاركت فيه المئات من العناصر المقاتلة ضمن العديد من الفرق المتخصصة في الأعمال العسكرية والقتالية والتي تتمتع بمهارات عالية وتقنيات متطورة. 

وتخلّل العرض الذي استمر أكثر من ساعة ونصف الساعة مرور فرق مدرعات ومدفعية وصواريخ مع طواقمها الكاملة. 

فالحزب لم يُقِم عرضه العسكري وكما جرت العادة في الضاحية الجنوبية لبيروت. إذ استهلكت الضاحية شعار المقاومة وأفرغته من أي مضمون، سيما بعد هدوء جبهة الجنوب اللبنانية الإسرائيلية منذ حرب تموز العام 2006 دون أن تُقدم المقاومة على أي خرق للخط الأزرق الفاصل وذلك التزامًا من حزب الله  بالقرار الدولي 1701 الصادر عن مجلس الأمن والذي أنهى أي أعمال عسكرية بين الطرف الإسرائيلي وأي طرف لبناني، إذ لم يتم الإعلان عن أي عملية استشهادية للمقاومة الإسلامية ضد أي دورية إسرائيلية خلال هذه الفترة التي جاوزت العشر سنوات. وعليه، اختار حزب الله  في هذا العام بلدة القصير لإحياء عرضه العسكري تاركًا الساحة السياسية اللبنانية تتخبط بين 8 و 14 آذار وما بينهما أيضًا، حول تشكيل حكومة العهد الجديد والحقائب الوزارية مكلّفًا شريكه في الثنائية الشيعية رئيس حركة أمل نبيه بري برعاية مصالح الطائفة والسهر على حقوقها واحترامها بعد وضع المباركات والفيتوات وتوزيعها في كل الاتجاهات. 

الاستعراض العسكري الذي أقامه حزب الله في القصير فاجأ الداخل والخارج، بل سرق اهتمام الولايات المتحدة الأميركية حيث أعربت الناطقة باسم الخارجية الأميركية إليزابيث ترودو عن أنّ بعض القطع التي تم عرضها خلال هذا الاستعراض هي صناعة أميركية، فكيف وصلت إلى حزب الله؟  

وفي البحث الأرشيفي تمّ الكشف عن أن ما ظهر في هذا العرض هو نتاج الغنائم التي كان الحزب قد غنمها من جيش لبنان الجنوبي التابع لإسرائيل  عام 2000 مع بعض المعدات العسكرية بعد الانسحاب العسكري الإسرائيلي من جنوب لبنان، وأن مقاربة صور الأرشيف تظهر مطابقتها مع ما عرض منذ أيام. 

وبعد التساؤل عما إذا كان للجيش اللبناني أي علاقة بهذه القطاعات الأميركية نفى الجيش ذلك، وأكّد حرصه على أن يكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وأنه ليس في وارد دعم أي جهة حتى لو كانت تقاوم إسرائيل أو تتصدى للإرهاب. 

وبالأساس فإن حزب الله ليس في وارد قبول أي هدية بمستوى دبابات أو مدرعات من أي جهة حتى من إيران أو سوريا في مواجهته لإسرائيل. فهو لا يستخدمها في حربه معها لأنه لا يخوض معها حربًا كلاسيكية، بل يخوض "حرب عصابات" كما عبّر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وأكد الحزب على أن هذه القطع هي محصلة الغنائم من الإرهابيين ومن الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي. 

لا شك أن لهذا الاستعراض دلالات ورسائل يحاول حزب الله إرسالها في اتجاهات معينة. 

فهو أولًا يحاول توجيه رسالة إلى جمهوره بأنه لا زال على عهده من القوة وأنه يستطيع إقامة عروضه العسكرية ساعة يشاء وفي أي مكان يختاره ويؤكد على أنه لا صحة لما يُشاع عن أن الحزب أصيب بنوع من الترهّل والضعف والتراجع عن تحقيق أهدافه بسبب الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي مُنِيَ بها جراء انخراطه في الحرب السورية، ولإعادة شد العصب في بيئته الحاضنة التي أصيبت بحالة من اليأس من قرارات حزب الله وسياساته الخارجة عن الانتظام العام للدولة اللبنانية. 

ثانيًا، إنّ اختيار حزب الله بلدة القصير لإقامة هذا الاستعراض العسكري فيه دلالة عن أن هذه البلدة ومحيطها هي ضمن المدى الحيوي لدويلة الحزب، إذ إنها تشكل قاعدة انطلاق في حربه ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا وإذا اقتضى الأمر في العراق واليمن وربما في دول خليجية مستقبلا. 

ثالثًا، في هذا الاستعراض رسالة باتجاه الداخل اللبناني بأن اهتمامات حزب الله خارج المناكفات الداخلية بين كافة الأطراف اللبنانية وتتجاوز الحسابات الداخلية إلى الرهانات الخارجية موحيًا بأنه أصبح جزءًا من اللعبة الإقليمية والدولية، فيما أفرقاء الداخل يتلهَّون بالمطالبة بوزارة من هنا أو بمنصب إداري من هناك أو صفقة من هنالك.