تمهيد:

عندما لاحت تباشير انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية اللبنانية، ألمح السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله إلى ضرورة صياغة بعض التفاهمات السياسية المسبقة، وتبعه في ذلك رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، فتحدث عن وجوب التوصّل إلى سلّة تفاهمات واضحة تتعلق بمجريات العملية السياسية التي يجب أن ترافق انتخاب الرئيس الجديد، إلاّ أنّ المقترحات قوبلت بالرفض المطلق من قبل غبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي، وتابعه في ذلك أصحاب الشأن ،أي الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.
أولاً: تأليف الحكومة مرتبط بالسلال المشّرعة
ما زال تأليف الحكومة العتيدة يواجه منذ أكثر من أسبوعين معضلة ملء السلال المشرعة وفق المطالب القديمة والمستجّدة معها، ذلك أنّه في غياب التفاهم المسبق، لا بدّ من بروز العقبات، ويبقى أمام الرئيس بري وحلفائه طرح مطالبهم، ليُثبتوا أمام الجميع أنّ "السّلة" التي كانت مُرتجاة قبل انتخاب الرئيس كانت واجبة الوجود ودون مراعاتها انطلاقة مُتعثّرة للعهد، وعقبة كأداء في تأليف الحكومة، وقد يصل الأمر، إذا زاد الاحتقان وتعالت لهجات التعصب، إلى طرح الميثاقية على بساط البحث.
ثانياً: السجال الطائفي إلى الواجهة من جديد
لكنّ الجديد اليوم، وهو مفاجئ بكل معنى الكلمة، ومن خارج السياق، رفعُ البطريرك الماروني من لهجة التصعيد الطائفي، وإعادة توجيه السهام نحو رئيس المجلس النيابي، والغمز من قناة "سلّته" المشرعة دائما، والطلب صراحة من رئيس البلاد عدم الإذعان لمطالب تمسّ الدستور ومصالح الدولة العليا، وقد لاقاه الرئيس عون في منتصف الطريق لينال من "هيبة" المجلس النيابي الذي أنهكه "الوهن" نتيجة التمديد المتمادي حسب تعبيره ولم يتأخر الرئيس بري فردّ التحية بأحسن منها: التمديد سيئ، لكن الفراغ الرئاسي الذي كان الرئيس عون رائدهُ وراعيه الأسوأ منه بما لا يُقاس، واكتمل المشهد "الطائفي" بدخول رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان على خطّ المواجهة، ليُذكّر بالمظلومية التاريخية التي لحقت وتلحق بالشيعة كلما تطلّعوا للعب دورٍ مرموق في تاريخهم وتاريخ أوطانهم.
تبقى المواجهة بين السياسيين المخضرمين "عون وبري" والمرجعين الروحيين "الراعي وقبلان" نذير شؤمٍ للعهد الجديد بوجهيه الرئاسي والحكومي "عون والحريري"، ويبقى المواطن، المغلوب على أمره ،تحت رحمة الألاعيب السياسية والمصالح الطائفية الضيّقة، بانتظار قيامة دولة المؤسسات والدستور والقوانين والمواطنية.