في ذكرى الوزير بيار الجميل مناسبة للوقوف على مواقف حزب الكتائب باعتباره العائلة التي خرجت منها القوّات اللبنانية والتي ضمت النخب المسيحية المُتوزعة يميناً ويساراً بعد سقوط قرص شمسها في ظلمات التجربة الكتائبية وخاصة بعد نهاية المشروع الماروني بقيادتي الكتائب والقوّات .
بلغ حزب الكتائب قبيل الحرب الأهلية وأثناءها رتبة مسيحية عالية إن في اعتباره حزباً للدولة أو تيّاراً لرئيس الجمهورية أو في نضاله ضدّ الغرباء وحفظاً واحتفاظاً بصلاحيات دستورية تضع البلاد والعباد في قبضة رئيس الجمهورية الماروني وهذا ما أهل الحزب كيّ يكون الحزب الرئيس في تركيبة الأحزاب اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً . وقد أوصلته رحلته النضالية الى رئاسة الجمهورية مرتين في الأولى لم يتمكن بشير الجميل من الوصول الى قصر الرئاسة بفعل القتل الذي نال منه وفي الثانية حلّ الرئيس أمين الجميل كخلف لأخيه وحكم البلاد وكانت تجربته محط تراجع للكتائب وتقدّم للقوّات اللبنانية كونه استهلك دوره في السلطة بطريقة استنزافية بحيث لم يتقدم خطوة باتجاه الاصلاح السياسي ولم يستطع العودة بالدولة الى الزمن الماروني وهو بذلك خسر شارعه المسيحي ولم يربح الشارع الاسلامي وكانت خاتمة رئاسته نهاية مؤلمة لحزب الكتائب الذي كان طليعياً في السلطة وفي المعارضة وفي آخر أيام أمين الجميل وجد الحزب دوره في ذيل العمل السياسي .
استطاع السوريون قسراً فك حزب الكتاب عن العائلة وطمع المحامي الفاشل في السياسة المباشرة كريم بقردوني برئاسة الحزب بواسطة السوريين ولم يفلح في تقديم صورة حزبية جديدة للكتائب وباتت ضمنياً سيطرة العائلة أقوى بكثير من سيطرة المرتزقة نتيجة لتركيبة الحزب المؤسس على الإنتماء لقيادة عائلة آل جميل الأقوى من العائلة الكتائبية نفسها . وبعد سنوات من الضياع الكتائبي عاد الحزب رسمياً الى كنف ابن المؤسس العائد من المنفى وقدم أمين الجميل مع عودة الحزب اليه ابنه الوزير بيار الجميل الذي أثبت كفاءة حزبية وضعته في دائرة الرهان على شخصية استثنائية ينتظرها المسيحيون بعد موت بطلهم بشير الجميل ولكن سياسة القتل أبعدت نهائياً الوزير الجميل في لحظة كتائبية واهنة نتيجة لتصدع داخل العائلة وتشرذم أبناء آل الجميل بين أمين الجميل الساعي الدائم الى الإمساك بالكتائب وبين سامي الجميل الرافض لتدجين والده له واندفاعه  نحو دور شبابي يكرسه أملاً جديداً للمسيحية المستضعفة وبين نديم الجميل الساعي الى وراثة والده بامكانيات خجولة ومتواضعة وفي ظل عائلة عمه الأقوى منه مالاً ووعياً .
لقد أعاد مقتل الوزير بيار الجميل وحدة الكتائب ومنحها خطوة كبيرة الى الأمام وأمّن للحزب حضناً مسيحياً متعاطفاً وهذا ما جمع شمل الكتائب والكتائبيين وهذا ما حضّر الأجواء المطلوبة لزعامة سامي الجميل للكتائب وكانت نيابته مظهراً من مظاهر قوّة الفرد في الحزب ودخل الندوة البرلمانية فاتحاً جديداً لشاب طموح يتعدى طموحه رئاسة الحزب الى رهان رئاسي كان سهلاً له لو أنه أحسن الاستمرار في الأداء السياسي وفي الممارسة الحزبية لكن جملة من المواقف قد خسّرته الرهان الرئاسي الممكن مستقبلياً وأوهنت من ريادته ومن قيادته للحزب ومنها خطابه السيء من حماية الجيش للحدود مع سوريا بطريقة خدشت من شخصيته إضافة الى ممارسة ما مارسه أسلافه من تعليب للحزب ومن جعله سلعة للعائلة .
يبدو أن أمل الكتائب يتضاعف يوماً بعد يوم بعد خسران رهانات كثيرة وبعد أن دفع التحالف الصعب بين التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانية بحزب الكتائب الى الوراء، بات من المستحيل على العائلة لعب دور ريادي ومتقدم وما عاد الدم  الشاب يسهم في تجديد وتنشيط الحزب الكهل خاصة وأن الكتائبيين وغيرهم من المسيحيين الحزبيين عموماً قد فقدوا الشخصية القضية كما كان بشير الجميل وباتوا مجرد زبائن سياسيين تغريهم السلطة ومهما كانت متواضعة .
أظن أن ما قلته تعبير عن منطق كتائبي مضمر في صدور من لا ألسن لهم ومن شخص وجد في الكتائب سبباً كافياً لتحميله أسباب الحرب الأهلية ونتائجها الكارثية والمدمرة للحرث والنسل .