على إيران "أن تستعد للأسوأ"، هذا ما نشرته صحيفة The Times البريطانية، في مقال لأحد كتابها الذي توقع أن تقلب إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط رأساً على عقب.

روجر بويز مراسل صحيفة التايمز بألمانيا، يرى أن السمة المميزة لترامب في مجال عمله التجاري هي تحديد نقاط الضعف بالاتفاقيات القائمة ثم فسخها، وهو ما يسعى الملياردير لتطبيقه على مجال الدبلوماسية.

وأوضح بويز أن هناك رابطاً يجمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو الاستعداد لتقاسم الأعباء مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما سيسعى ترامب لاستغلاله في سياسته بالشرق الأوسط.

يحق للرئيس الأميركي القادم أن يتجاهل تراث أوباما البائس طالما أنه لا يثق في بوتين.

وجه آية الله أحمد خاتمي في صلاة الجمعة تحذيراً شديد اللهجة إلى دونالد ترامب: لا تستفز الأسد الإيراني. ولم يقصد رجل الدين الإيراني الاستفزاز بأسلوب ديفيد أتينبرا، بل كان يحذر الزعيم الأميركي القادم من العبث بالاتفاق النووي الإيراني، الذي يصفه ترامب باعتباره "أسوأ الصفقات على الإطلاق"، لأن طهران على استعداد لإظهار مخالبها المؤذية.

ومن الأفضل أن يستعد آية الله لما هو أسوأ. فإدارة ترامب توشك على أن تقلب الشرق الأوسط رأساً على عقب، حيث إن اتفاق الحد من البرنامج النووي لطهران سوف ينتهي أو يُمزق إرباً، رغم الإشادة به في العام الماضي لكونه انتصاراً للسياسة الأميركية وسياسة الاتحاد الأوروبي.
وإذا ما رفضت السلطات الإيرانية تقديم تنازلات جديدة، سوف يعتبرهم ترامب دعاة حرب ويزيد من ممارسة الضغوط. ويعتقد ترامب أن الاتفاق كان خطأ كبيراً اقترفته إدارة أوباما، التي كانت تسعى وراء تحقيق أي نتائج إيجابية بشأن سياستها الخارجية. ويوضح كتابه "فن الاتفاق" رأيه في مثل تلك المفاوضات: "أسوأ ما يمكن أن تفعله خلال الاتفاق هو أن تبدو تواقاً لإبرامه. ذلك يجعل الطرف الآخر متحفزاً، ثم تلقى حتفك".

ويرى أن الولايات المتحدة قد انخدعت واضطرت لرفع العقوبات، بينما كانت إيران تستعد للحظة إلغاء القيود على المعاهدة حتى تتمكن من الإسراع نحو إنتاج القنبلة. وقد وقع على المعاهدة عدة أطراف من بينها بريطانيا وغيرها من أعضاء الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ومن ثم فلن يكون إلغاؤها بالأمر اليسير. وإذا لم يستطع إثبات الخداع الإيراني، سيجد سبلاً أخرى للضغط على طهران.

ويحمل هذا التوجه –تحديد نقاط الضعف بالاتفاقيات القائمة ثم فسخها– السمة المميزة لمجال عمله التجاري. ومن الواضح أن ترامب يسعى لتطبيق نفس التوجه على مجال الدبلوماسية. وتمثل إيران نصف ذلك التوجه فقط. ومن الأرجح أن يفقد الديكتاتور السوري القاتل بشار الأسد وضعه المنبوذ نظراً لأن ترامب لا يثق بالمعارضة السورية.
ومن المتوقع أيضاً أن يستعيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مكانته بعد أن تم تهميشه خلال فترة رئاسة أوباما. وهناك تحول آخر، يتمثل في الرئيس المصري السيسي، الذي كان منبوذاً من قبل فريق إدارة أوباما، ولكنه حقق مكاسب هائلة في مجال مكافحة الجماعات الإرهابية في سيناء. ومن هو المتعاون الأكبر في مكافحة الإرهاب؟ إنه الرئيس بوتين. فقد حلق طياروه مرة أخرى في سماء حلب من جديد بالأمس، وقصفوا مستشفى ولم يفرقوا بين الأطفال الصغار وكبار السن والجهاديين المشتبه بهم.

وما يربط بين هذه الفئات من وجهة نظر ترامب هو الاستعداد لتقاسم الأعباء مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب. ولم تخفق إدارة أوباما في استغلال القوة الأميركية بالكامل ضد تنظيم الدولة الإسلامية والجبهات التابعة لتنظيم القاعدة فحسب، بل أخفقت أيضاً في حشد الدعم اللازم من الحلفاء المفترضين. ومن ثم، تعتبر سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط بمثابة إجراء تصحيحي لسياسات الرئيس أوباما.

وتتألف الاستراتيجية التي تتم صياغتها حالياً من ثلاثة محاور:
أولاً: لا بد أن يكون هناك تعاون ملموس مع روسيا واستغلال قدراتها الجوية بصورة أكثر فعالية ضمن الجهود الشاملة لسحق معقل تنظيم الدولة في مدينة الرقة بسوريا. وقد بدأت روسيا بالفعل في توضيح قضيتها لفريق ترامب: فكلما ضعفت قوة الأسد، أصبحت إيران أكثر قوة على المستوى الإقليمي. ويعد اتساع نطاق سلطاتها واضحاً في ظل تواجد ضباط الحرس الثوري ومن خلال دعمها لميليشيات حزب الله اللبنانية.
وثانياً: سوف يسعى نتنياهو –المقرر أن يكون أحد أوائل الزوار الأجانب إلى البيت الأبيض في أعقاب تنصيب ترامب– إلى إقناع الرئيس الجديد بعدم أهمية القضية الفلسطينية مقارنة بمشكلة التوسع العسكري الإيراني. ويبدو أن بلدان الخليج توافق على ذلك. ثم إن هناك مصر، التي تعد رغم كونها دولة شرطية بمثابة قوة محتملة تساعد على تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

لقي أكثر من 400 ألف شخص مصرعه في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية. فهل يؤدي ذلك إلى وجود رؤية متسقة أم أنه يعد بمثابة إعادة لتحقيق التوازن بعيداً عن إيران؟ وعلى أي حال، فقد أدت توجهات أوباما إلى تفاقم الأزمات إلى حد كبير ونشوب الحروب وتراجع نفوذ الولايات المتحدة وانعدام الشعور بالأمان لدى إسرائيل. فقد تم إبرام الاتفاق الإيراني مقابل ثمن بخس. وكان في أفضل الأحوال يمثل الفارق الزمني على مدار بضعة شهور إلى بضع سنوات حتى نجاح إيران في صنع القنبلة النووية.

ومع ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة بناء الثقة المتبادلة مع شركائها الأمنيين وليس واضحاً ما إذا كان صبر الرئيس ترامب سوف ينفد سريعاً. وتأتي انحيازاته بمقابل باهظ الثمن. وربما يعتمد فريق ترامب على تخلي روسيا عن إيران، وهناك دلالات فعلية تشير إلى عدم ارتياح سوريا إلى ذلك. وفي المقابل، لن يرغب بوتين في تحقيق فترة حكم آمن للأسد فحسب (مما يعني أن تفقد الولايات المتحدة الأمل في تحويل مقاتلي المعارضة المعتدلة إلى معارضة متماسكة ومتسقة)، بل يسعى أيضاً إلى اعتراف أوسع نطاقاً بمشروعية مصالح روسيا في أوكرانيا.

يواجه الإقليم حالة تغير مستمر ومن الصائب بالتأكيد أن يلتزم الرئيس المستقبلي بالسياسات العريضة وأن يدعم الإرادة السياسية للقضاء على تنظيم داعش، وأن يعلن رفضه للمخاطر العسكرية التي تفرضها إيران على المنطقة. ومع ذلك، فمن الخطأ أن يتم وضع استراتيجية على أساس الثقة في بوتين. ويدرك ترامب لغة الأرقام جيداً، وهناك رقم واحد مهم للغاية في الشرق الأوسط، وهو أن هناك 400 ألف شخص قد لقوا حتفهم في سوريا على مدار السنوات الخمس الماضية. فإذا كان يسعى وراء تحقيق النجاح كرئيس للولايات المتحدة، فلا بد أن يقاوم تملق ومداهنات الكرملين ويخبر الدكتاتور الذي يخضع لسيطرة الكرملين "بشار الأسد، أنت مطرود!".

 

هافينغتون بوست عربي