بصرف النظر عن واقع الفساد المستعصي في لبنان الذي مسخ مفهوم الوزارة وجعلها مطية للنهب المنظم وإشاعة كل الموبقات "المقوننة" يستوقفنا في العملية الجارية لتأليف الحكومة واقع استخدام فريق "الفيتو" ضد خصمه الذي يستبيح استباحة شاملة المفهوم الدستوري للوزارة ايا يكن شاغلها. من المسلم به دستوريا وأصوليا ان الوزير حين يتسلم مهماته يغدو صاحب مسؤولية حصرية في اطار وزارته واختصاصها عن كل ما يعود الى الدولة ومصالح المواطنين والمال العام والمصالح الوطنية المرتبطة بنطاق هذه الوزارة وأكثر بنطاق المسؤولية الأشمل التي تشكل الحكومة إطارها كسلطة إجرائية. بات للوزير في دستور الطائف صلاحيات واسعة حصنته في اطار نافس صلاحيات رئيس الجمهورية في بعض الجوانب الى حدود ان الرئيس الياس الهراوي كان اول الرؤساء الذي شكا من ذلك كما ان الرئيس ميشال سليمان أنهى اليوم الاخير من ولايته باقتراح نقاط عشر لتعديل صلاحيات رئيس الجمهورية بما يتيح له ان فعلا ان يضطلع بدور الحكم.مفاد ذلك ان الوزير حين يقبض على زمام مسؤوليته لا يعود ممثلا لحزبه او تياره، وبالمعنى الأكثر وضوحا من كل ذلك لا يفترض ان يكون جاهلا لمعنى تفويضه تسيير مصالح اللبنانيين والدولة اللبنانية بنزق شخصي او حزبي او نزعاتي. بذلك تسقط مع مراسيم تشكيل الحكومة فورا الشخصية الخاصة في الوزير ليغدو شخصية معنوية ينتمي انتماء كاملا الى دولته وليس الى حزبه وتياره او محيطه الخاص. وفي موازاة هذا البعد والمفهوم والمعيار الثابت للوزارة والوزير ليس مقبولا ولا مبررا اطلاقا من الناحية الدستورية والمبدئية الصرفة لاي فريق ان يجعل نفسه فوق الدستور ويحول واقعه ايا يكن لفاحص دم وطني لانه بذلك يشرع الباب على الآخرين للمبادلة بالمثل اولا، ولأنه يقيم مزيدا من الأعراف المدمرة والمنتهكة للدستور، ولأنه اولا وأخيرا يستبيح مفهوم السيادة الوطنية التي يفترض ان تظلل كل الحكومة والوزراء خصوصا متى تظللت بثقة مجلس النواب.
بذلك لا ندري فعلا أي خدمة هذه تقدم لعهد العماد ميشال عون في طلائع بداياته حين تتصاعد بعد اسبوعين فقط من انتخابه ملامح هذا النشاز وهذه الاستعادة المبكرة جدا لوصاية داخلية قسرية كأنها البديل من وصاية العصر السوري على لبنان؟ ولا ننكأ جرحا او نتوهم القدرة على فك عرى تحالفات نعرف تماما كم كان لها الأثر في انبلاج العهد العوني ان تساءلنا كيف تراه يقبل، اذا قبل، العهد ومعه الرئيس المكلف كما أي فريق سياسي آخر بمنطق وضع دفاتر شروط على حقائب وأحزاب وجهات بفعل ميزان قوى يستحضر العوامل الطائفية والمذهبية كما العداوات المستأصلة لاستيلاد حكومة غب طلب فئوي بعينه؟ أليس مريبا ان يسكت الجميع عن هذا الشطط؟