خلال 26 عاماً، لحقت فترة الحرب اللبنانيّة، بقيت بعض الجمعيّات المحليّة وأهالي المفقودين، حصراً، يطالبون بالعدالة لأبنائهم وكشف مصيرهم، إن كانوا أحياء فيعودون إليهم، وإن توفوا بأن يحصلوا على قبر لهم.

بعد 26 عاماً من النضال ما زالت النية السياسيّة لإنهاء هذا الملف مفقودة، وما زالت قضية المعتقلين والمخفيين قسراً والمفقودين تراوح مكانها. لكن الإصرار، أو بالأحرى الأمل، بمعرفة مصير 17419 مواطناً لبنانياً، لم يمت.

انطلاقاً من ضرورة إحقاق العدالة الانتقاليّة، عرضت منى مرعي نصاً مسرحياً بعنوان "بهيدي اللحظة بالذات" من تنظيم جمعيّة "لوغوس"، حول قضية المفقودين والمخفيين قسراً، في مدرسة الحبل بلا دنس في الجعيتاوي. يستند العرض إلى وقائع حقيقيّة تدور أحداثها في أماكن وتواريخ مختلفة، وكلّها لها دلالاتها، بعضها عن العثور على مقابر جماعيّة وأخرى عن أحداث خطف تكرّرت خلال الحرب وغيرها من أخبار صحف ووقائع لم توصل إلى معالجة جديّة ونهائيّة لهذا الملف، لتعود دائماً إلى مكان واحد، عبارة عن مقبرة جماعيّة في أطراف بلدة عيتا الفخّار في أحد المراكز السابقة لتنظيم حركة فتح – المجلس الثوري، وتضمّ جثتين، الأولى لأليك كوليت الصحافي البريطاني الذي اختطف عام 1986، والثانية لعسكري ببدلة مرقّطة لم تعرف هويته حتى اليوم. فدفنت السلطات البريطانيّة مواطنها وكرّمته، فيما بقيت الجثة الثانية التي رافقته لـ23 عاماً تحت الأرض مجهولة الهويّة بحجّة عدم نكء الجراح وحفاظاً على السلم الأهلي.

كان من المفترض حضور رئيس جمعيّة "سوليد" غازي عاد لتكريمه على نضال أطلقه منذ عام 1989 لكشف مصير المفقودين، إلّا أن المرض الذي تملّكه منذ أسابيع حال دون ذلك. رغم ذلك لم يخلُ النقاش الذي تلا العرض من إصرار أهالي المفقودين على المُطالبة بمعرفة مصير أبنائهم وأقاربهم، رغم دعوة أحد الحاضرين لهم لنسيان الماضي وفق مبدأ "عفا الله عمّا مضى"، يؤكّد هؤلاء أن "لا نيّة لهم للانتقام، وأن المطالبة حقّ مقدّس لهم، لم يردعهم شيء عنه حتى خلال فترة الوصاية السوريّة وفترة الاحتلال الإسرائيلي". وبحسب رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر "المطلوب إرادة سياسيّة جدّية لحلّ هذه القضيّة والطريقة الأسرع تكمن إمّا بإقرار المرسوم المقدّم إلى مجلس الوزراء من شكيب قرطباوي حول قضيّة المفقودين والمخفيين قسراً عام 2011، أو بإقرار مشروع القانون المقدّم إلى مجلس النّواب من النائبين غسان مخيبر وزياد القادري عام 2015". فيما اعتبر مؤسس جمعيّة لوغوس زياد عبس أن "هناك فرصة تاريخيّة مع انطلاقة العهد الجديد مع رئيس جمهوريّة لطالما كان من أكثر الملتزمين بقضيّة المخفيين قسراً، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة، لإقفال الملف بعد معالجته، وتشكيل الهيئة العليا لمتابعة قضيّة المخفيين قسراً، وإنشاء بنك الـDNA، واستبدال وثيقة الوفاة للمخفيين بوثيقة تتركهم أحياء، لتشريع وجودهم في المعاملات القانونيّة وتشريع البحث عنهم ومعرفة مصيرهم".

لا اعتراف بالأخطاء إذاً لا مصالحة. لا توبة إذاً لا غفران. لا كشف عن مصير المفقودين والمخفيين والمعتقلين قسراً إذاً لا سلم. لا عدالة إذاً لا سلام، حتى ولو سكتت أصوات المدافع والراجمات، وفُكّكت حواجز القتل والخطف على الهوية. وهذا ليس من باب نكش الماضي ونكء الجراح، وإنما هو فعلٌ بديهي في كلّ الدول التي شهدت حروباً أهليّة، وأنشأت لجان عدالة وحقيقة ومصالحة للاعتراف بالأخطاء والجرائم وجبر الأضرار والاعتذار من الضحايا وتكريم الشهداء وكشف مصير المفقودين تمهيداً للتطلّع إلى المستقبل. ولبنان ليس استثناءً نظراً لإرثه المثقل بانتهاكات حقوق الإنسان والقانونين الدولي والإنساني، وطالما هناك 17419 مفقوداً ومخفياً قسراً.

(الاخبار)