أولا: الإجماع الرئاسي
وحصل ما لم يكن بالحسبان، فنال الرئيس عون شبه إجماع على انتخابه رئيساً للجمهورية، وكان الفضل في ذلك كما بات معروفاً للثنائي جعجع-الحريري، ثم ما لبث الإجماع أن انعقد لتسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة.

ثانياً: قتال حزب الله في سوريا
أثار التدخل العسكري لحزب الله في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات انقساماً حاداً بين اللبنانيين فتوزعوا بين مؤيّدٍ ومعارض ومحايد، وبدأت حملات التأييد حذرةً وخجولة ومترددة في إيجاد الأعذار والمبررات لهذا التدخل الخطير في أتون حربٍ أهلية، سرعان ما تحولت إلى إقليمية وشبه دولية. أمّا عن المعارضين، فقد ارتفعت أصواتهم بحدّة استنكاراً وتنديداً، وأسهبوا في التحذير من مخاطر التدخل خارجياً وداخلياً على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، ونبّهوا إلى تداعيات الانقسام المذهبي الذي يثيره تدخّل فصيل عسكري شيعي مدعوم من إيران في بلد أغلبية سكانه من المذهب السّني، أمّا المحايدون فَهُم الأغلبية الصامتة التي أصابها الدُّوار من تلاطم الصراعات والانقسامات وتهاوي المؤسسات وفساد الحكام منذ اتفاق الطائف وحتى يومنا هذا، وهم على كل حال لا حول ولا طول لهم.

ثالثاً: شبه إجماع ظرفِيّ على التدخل
منذ حوالي السنتين بدأت الأصوات المعارضة للتدخل الحزبي في سوريا تخفُت رويداً رويدًا حتى درجة الصمت المريب بفعل عوامل عدّة: أبرزها عدم جدوى المطالبة بالانسحاب من حرب مدمرة لا تلقى آذاناً صاغية، واطمئنان القوى المناوئة للحزب داخلياً باعتبار سوريا "محرقة مجانية" لقوى الحزب الحيّة وفاعلياته المتعددة، وعليه فلا بأس في استمرار نزفه الداخلي هذا، ولو تطلّب الأمر لدعى بعضهم صراحة إلى عدم مناشدة الحزب بالانسحاب من الأتون السوري، وبذلك ينعقد، بفعل الإجماع الرئاسي اليوم، شبه إجماع داخلي على "الوجود" العسكري لحزب الله في سوريا مع تضارب الأهداف والمصالح والمرامي.

رابعاً: المعارضة الشيعية
على فرض وجود قوى داخل الطائفة معارضة لتوجهات الثنائية الشيعية حزب الله- أمل، ذلك أنّ البعض ينكر وجودها أصلاً، فهي بالإضافة إلى اعتراضها على مجمل توجهات حزب الله، وخاصة الإقليمية منها، إلاّ أنّها رفعت الصوت عالياً ضد تدخله العسكري في سوريا، ولطالما أبدت في معارضتها هذه حرصاً زائداً على الخسائر البشرية لأبناء الطائفة في حرب طاحنة لا أفُق لها، إلاّ أنّ وضع هذه المعارضة مُزرٍ ومأساوي ، فهي محاصرة إعلامياً،وتتعرّض لسيلٍ من الشتائم والاتهامات، أبرزها العمالة والخيانة، وفي هذا مفارقات عجيبة، حيث تبدو المعارضة الشيعية حريصة على أبناء الحزب أكثر من حرص قيادته، وبدل اعتبار النُّصح والوعظ فضيلة، إذ به يرتدّ عليها اتهامات وشتائم، لعلّ أهونها العمالة، وما الاتهامات التي سيقت في حقّ الشيخ عباس الجوهري بعد إطلالته التلفزيونية الأخيرة إلا مثال من أمثلة عديدة تعبّر خير تعبير عن مأزق الحزب العسكري في الانخراط المتمادي في الحرب السورية.