مِن الخطاب الهادئ للعماد ميشال عون في احتفال «بيت الشعب»، أمس، إلى الأجواء التفاؤلية التي حرص الرئيس المكلف سعد الحريري على إطلاقها، عقب انتهاء الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة، لاحت في الأفق القريب موجة من الارتياح، تساعد في تهدئة مناخات الحذر والقلق، التي رافقت مبادرة رئيس تيّار المستقبل، وأدت الى انتخاب «الجنرال» رئيساً للجمهورية.

ونخال أن الرئيسين، عون والحريري، ومعهما القيادات السياسية كلها، يُدركون جيداً حالات الإحباط واليأس التي تعانيها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، والتي وصلت إلى حدّ الكفر بالطبقة السياسية وفسادها.

ومن العبث القول أن العهد الجديد يملك ترف التأخير في تأليف الحكومة الأولى، وأن المرحلة الدقيقة، وتحدياتها المتشابكة، داخلياً وخارجياً، تسمح بفترة من التساهل والتناور، وتضييع الكثير من الوقت في معالجة مطالب الكتل النيابية، و«جشع» بعضها في قضم حقائب سيادية وخدماتية، أكثر مما يحق لها في الكوتا الوزارية.

الواقع أن الإسراع في التأليف، وتأمين الانطلاقة المنشودة للعهد، ليست مهمة الرئيس المكلف وحده، بقدر ما هي مسؤولية كل الأطراف السياسية الأخرى، وفي مقدمها رئيس الجمهورية وفريقه، للعمل معاً على إزالة الألغام المعهودة، ومعالجة الصعوبات المعروفة بتناتش الوزارات الدسمة، وتحقيق توازن مقبول لصيغة حكومة، قادرة على العمل كفريق متجانس بين مكوناتها، والانصراف، بأسرع وقت ممكن، إلى التصدّي للأزمات المتراكمة أمام مسيرة العهد، وفي مقدمتها مشكلة النفايات المتجددة، ومعضلة الكهرباء المزمنة، فضلاً عن حالة التردّي والكساد التي تضرب القطاعات الاقتصادية، وأوصلت المؤسسات الإنتاجية إلى هاوية الإفلاس والإقفال.

* * *

غير أن الاهتمام بتحسين الأوضاع الداخلية، وإعادة إنعاش الآمال والثقة في إمكانية تجنّب السقوط في الهاوية، يجب أن لا تُبعد ملف ترميم العلاقات مع الأشقاء العرب وخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، عن برنامج الأولويات المطلقة للحكومة العتيدة.

ولعل وجود الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة الجديدة، والمناخات الجديدة التي أطلقها وجود رئيس للجمهورية في قصر بعبدا، يساعدان على تفعيل علاقات رئيس الحكومة العربية، عبر جولة زيارات على العواصم العربية المعنية، لإعادة علاقات الثقة والتعاون إلى ما كانت عليه، تمهيداً لاستئناف الحركة الاقتصادية والسياحية على النحو الذي كانت عليه في السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت أرقامها الخمسة مليارات دولار سنوياً.

الترحيب العربي اللافت بانتخاب العماد عون، يعني بشكل أو بآخر، أن الأشقاء تجاوزوا أخطاء ممثل التيار العوني في الحكومة السابقة، ويحرصون على التعامل مع «الجنرال» كرئيس للجمهورية اللبنانية، أي لكل لبنان الرسمي والشعبي، وليس رئيساً لحزب لبناني، أو زعيماً لفريق أو قطباً لطائفة!