بعد الإشارة إلى أنّ حِلفًا من قوّات عراقيّة وكرديّة يسعى جاهدًا لاسترجاع الموصل، جاء في مجلّة نيويورك تايمز للكاتب حسن حسن أنّ "تنظيم الدولة الإسلامية" وبكلّ تأكيد ستفعل كل ما بوسعها لتُبقي هذه المدينة وهي بمثابة حصنها الرمزيّ المكتظّ، تحت سيطرتها، إذ إنّ أبا بكر البغداديّ  كان قد أعلن خلافة الدولة الإسلاميّة من منبر جامِعها العريق القائم منذ 12 قرنًا. حتّى وإن فَقَدَ هذا التنظيم السيطرة على الموصل، فإنّ بين يديه خطّة طوارئ واضحة لإرجاعها ولم يتردّد في نشرها عبر عددٍ من المواقع في الأشهر الخمس الماضية، وهي الانحياز؛ أو التراجع المؤقّت إلى الصحراء. وكان محمد العدنانيّ، النّاطق باسم هذا التنظيم، والذي قضى نحبه بالقصف الأمريكي في شهر آب، قد ذكر هذا التعبير (الانحياز) في خطابه الأخير في شهر أيّار، حيث أوضَح أنّ خسارة مقاطعة لا تعني الهزيمة، وأنّ قوّات هذا التنظيم العسكريّة ستُكمل مسيرتها دونما تردّد وستتوجّه نحو الصحراء فتتهيّأ للعودة، تمامًا كما فعلت بين 2007 و2013. 
وقد أصدرَت جريدة النبأ التابعة لهذ التنظيم مقالًا في شهر آب حول هذا المنحى المُتَّبَع، حيث ذكرَت كيف أنّ القوّات العراقيّة التابعة للدولة الإسلامية، وهم من أسّس هذه الخلافة أصلًا، نَجَت لدى إخراجها من المدن العراقيّة، وذلك بعد اندفاع القوّات الأمريكيّة عام 2007 والتمرّد القَبَليّ الذي قابلها والذي يُعرف بـ “الصحوات العراقيّة" بحيث تراجعَت القوّات العسكريّة بمعظمها، إلّا أنّ مندَسّين بَقَوا لإثارة حملة إرهابيّة.  
هذا المقال أشار بوضوح إلى أنّ الحملة التي قادها الجهاديون لِستّ سنوات قد أضعفَت وشتّتت العراقيين السّنّة ممّا سهّل طريق الدولة الإسلاميّة في السيطرة على أهمّ مدنهم عندما عادت عام 2013. 
كما ورد أنّ الأحداث التاريخيّة تُظهر أنّ مُجاهدي الدولة الإسلاميّة لم يَتركوا المرتدّين لِيَنعَموا ولا ليوم واحد بالاستقرار والأمن، وهذا يُنذر بالمخاطر المحيطة بالعراق.
وفي آب نَشَرت الدولة الإسلامية فيديو، قيل أنّه صُوِّر في ولاية الفرات التابعة للدولة، ويختلف هذا الفيديو عن سواه ممّا أنتجت الدولة الإسلامية كونه لا يُظهر اشتباكات مدنيّة كالعادة، بل معركة في صحراء حيث كانت الاشتباكات بالقرب من رُتبة، منطقة استراتيجية غربيّ العراق تربط بين بغداد وعمّان في الأردن. هذا الفيديو عَرَض الهجوم الذي شنّته قوّات الدولة الإسلاميّة على مخيّم قالوا بأنّ قوّاتًا أمريكيّة وأُخرى تابعة للحكومة العراقيّة كانت تحميه. ونشرت أعماق، وكالة أخبار الدولة الإسلاميّة، مقطعًا من الفيديو مع ترجمة جانبيّة باللغة الإنكليزيّة. وبعد أسبوعين نشَرالتنظيم ذاته  فيديو مشابه، صُوِّر في صحراء أيضًا، اختُتِم بمشهد يسحَب فيه التنظيم  جثّة جندي عراقي على الطريق.
هذه الفيديوهات، كما خطاب العدناني والمقالات التي تناولت موضوع الانحياز، هي بمثابة تَهيِئة أو تنبيه لقوّات الدولة الإسلاميّة حول خسارة إقليم، ويَجدُر بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الحَذَر أيضًا. 
ولاية الفرات عند الدولة الإسلامية لا تقلّ شأنًا عن الموصل، فللاستمرار بمخطّطها وعلى المدى البعيد هي تحتاج الصحراء تمامًا كما تهمّها المدن. ولاية الفرات هي الوحيدة التي تتقاطع مع الحدود العراقية السورية والإقليم، ممّا يجعلها مخبأً ومنفَذًا فعّالًا ومرغوبًا لكبار أفراد الخلافة الإسلاميّة، هذا إن لم يكونوا قد استوطنوا فيها بعد.
يرى المسؤولون العراقيون ما قد يُشير إليه تراجع قوات الدولة الإسلامية إلى الصحراء. صرّح مسؤولَي أمن في ولاية صلاح الدين، الواقعة شمالي بغداد، في مقابلة تلفزيونيّة أنّ الدولة لإسلامية كانت تتوَّجَّه نحو مناطق كانت قد تحرَّرَت منذ كانون الأوّل للعام 2014، فتُوَظِّف أعضاء جُدُد في افتعال ضربات مشتّتة وتنفيذ انتحارات في مناطق مكتظّة. أمّا القوّات الأمنيّة المنتشرة في شبه جزيرة سيناء مصر وشمالي غربي باكستان الشعبي، فيصعب عليها المقاومة.
وكما تتذكّر قيادات الدولة الإسلامية، فهذا ما حصل بعد عام 2007، بحيث صارت الصحراء مركزًا للمحاربين الأجانب في حين استقرّ المحاربون العراقيّون في الخلف. وجود الفرقة في منطقة شعبيّة أتاح لهم فرصة لسد النقص في خزائنهم من خلال السرقة والاغتصاب. ركّز المقاتلون جهودهم وضرباتهم على أعدائهم الشعبيّين وعلى قوات الأمن العراقيّة، خالقين جوًّا من الاضطراب والخوف لتركيب الظروف الملائمة التي تمهّد لعودتهم في السنوات السّتّ التي تَلَت تلك الأحداث.
والآن الأجواء مؤاتية أكثر من ذي قبل لإعادة بناء الدولة الإسلاميّة، فوضع العراق اليوم مشتّتًا سياسيًّا واجتماعيًّا، وقد عبّر عراقيّ كان قد شارك في مجلس الصحوات العراقية بظنّه أنّ الشّرخ والفساد الذي خلّفته الدولة الإسلامية يستحيل أن تتعامل معه أي فرقة سنّيّة الآن

والوضع في سوريا يزيد الأزمة هذه تعقيدًا إذ تُعَرقل حدود الصحراء المفتوحة ملاحقة هذه الفِرَق وإن تمّ دحرها من المناطق المكتظّة في كلتا الدولتين.
وعليه، فإنّه من الواضح أنّ خسارة الحرب القائمة ضدّ الدولة الإسلاميّة مُحَتَّم إن لم يُشرّع في ترميم الفراغ السياسي والأمني المُلِمّ بالعراق. إخراج قوات الدولة الإسلامية من الموصل هو النّصر الذي تحتاجه العراق، ولكنّه لا يتمّ دون دعم الحكومة والسلطة العراقية للعراقيين السّنّة من أجل ملئ هذا الفراغ والعمل على الإصلاح، فمن دون هذه الخطوة ستعاوِد القوّات دخول المنطقة عبر الصحراء.
حسن حسن – نيويورك تايمز
ترجمة نورهان مرسل - لبنان الجديد

للإطلاع على المقال الأصلي باللغة الإنكليزية : The Islamic State After Mosul