يعتقد الكثيرون من المراقبين العرب أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفكّر في تحسين علاقته مع مصر التي تدهورت بعد الثورة على حكم "الاخوان المسلمين"، واحتلال الضابط الكبير عبد الفتاح السيسي مكان الرئيس المخلوع محمد مرسي. الدافع الى هذا الاعتقاد إشارات انفتاحية وردت في مقابلة أجراها معه إعلامي سعودي بارز قبل مدّة، لكن الوقت مرّ ولم يلاحظ هؤلاء أي تحسّن بين الدولتين المذكورتين. فهل حصل سعي معيّن الى ذلك ولم ينته بعد أم فشل، أم لم يحصل على الاطلاق؟
المعلومات المتوافرة عند جهة تركية قريبة من الحكم في أنقرة تشير الى أن السعي بدأ ولم يحقق بعد النتيجة المرجوّة. لكن لا يزال مبكراً الحكم عليه. تتحدث الجهة عن الدور الذي قام به أردوغان في مصر بعد ربيعها الذي أوصل القيادي "الاخواني" محمد مرسي الى الرئاسة و"جماعته" الى السلطة، فتقول إن اردوغان نصح "الاخوان" المصريين بحل "جماعة الاخوان المسلمين" في بلادهم، وبتأسيس حزب سياسي يمارس عمله بديموقراطية وبالتخلي عن العمل الدعوي. كما نصحهم بإقامة دولة ديموقراطية في بلادهم وعلمانية لا تتناقض مع الاسلام ولا تعمل ضده. لم يكن "اخوان مصر" متجاوبين معه في الأمرين، لكنهم أبلغوا إليه أنهم سينشئون حزباً يكون ذراعاً سياسية لـ"الاخوان".
وتقول الجهة التركية نفسها إن معلومات وصلت الى الرئيس الاخواني مرسي تدعوه الى الانتباه من الضابط الكبير عبد الفتاح السيسي، لأنه في صدد الاعداد للانقلاب عليه أي لتنفيذ انقلاب عسكري يقصيه و"الجماعة" عن الحكم. واللافت استناداً اليها أن مرسي استدعى السيسي وفاتحه بهذا الأمر وسأله عن صحة المعلومات. ولم يسمع منه إلا النفي. وكان أكثر ميلاً الى تصديقه لاقتناعه و"اخوانه" أن الضابط الكبير المذكور "إخواني"، إن لم يكن بالعضوية الرسمية فبالانتماء الى عائلة (أهل) إخوانية في صورة عامة، وبتديّنه وممارسته ذلك على نحو رسمي. علماً أنه يعرف أن حجم المؤسسة العسكرية المصرية كبير ودورها في دولة مصر كبير ومستمر على الأقل منذ عام 1952 على الصعيد الأمني كما على صعيد الأعمال في صورة عامة. حصل "الانقلاب" في مصر كما تعتبره أنقره ومعها جهات دولية مهمة، أو حصلت "الثورة" ونجحت بفضل تضامن قسم كبير من الشعب معها وحماية الجيش لها، وما حصل في أثنائها سياسياً وأمنياً وعسكرياً وقضائياً وإعلامياً معروف، من استهداف لـ"الاخوان" بدءاً من رئيس الدولة ومساعديه ومروراً بقادة هؤلاء وكادراتهم وأعضاء "جماعتهم"، وانتهاءً بالمتعاطفين معهم من المصريين كما بالمؤمنين منهم بالديموقراطية المتمسكين بدولة القانون. كان رد فعل تركيا "المصنّفة" "إخوانية" على ذلك غاضباً. ورد فعل مصر الثورة – الانقلاب عليه غاضباً بدوره. فتدهورت العلاقة.
طبعاً حصلت محاولات عدة لترتيب عودة العلاقة التركية – المصرية الى طبيعتها. وآخر واحدة كانت قبل أسابيع أو أشهر على الأرجح. ومن الأمور التي سلّم بها أردوغان في أثناء البحث غير المباشر طبعاً دور الجيش المصري في تركيبة الحكم في بلاده، وضرورة فتح صفحة جديدة مع السيسي، وعدم ممانعة قيام حكم عسكري في مصر سواء بواجهة مدنية أو مباشرة، واقتُرح إسمان لدور كهذا هما أحمد شفيق الضابط الكبير المتقاعد الذي رشّح نفسه للرئاسة، والضابط الآخر المتقاعد أيضاً عنان. كما طُلِب وضع الرئيس المخلوع والمسجون مرسي في الإقامة الجبرية، والافراج وإن "بالتقسيط" أي تدريجاً عن المعتقلين من "الاخوان" وعددهم بالآلاف.
لم تنجح هذه المحاولة بعد وقد تفشل، أولاً بسبب أزمة الثقة بين أردوغان والسيسي، وبسبب انشغال تركيا بالتطورات العسكرية المتسارعة في سوريا والعراق، وبالتدهور العسكري في اليمن وليبيا. كما بسبب انشغال مصر بمحاربة الارهاب في الداخل وفي شبه جزيرة سيناء، وبمتابعة حرب ليبيا التي يؤثر استمرارها عليها مباشرة. ومن العوامل التي قد تفشلها اعتقاد أردوغان أنه مستهدف بعد اتفاق مصر والسعودية ودول الخليج عموماً. إذ أنها كلها معادية لـ"الاخوان" وتعتبره واحداً منهم أو نصيراً لهم. وعزّز اعتقاده هذا عدم استقبال أي مسؤول سعودي رفيع إياه في زيارتين لها، للاشتراك في تشييع وزير الداخلية السابق نايف بن عبد العزيز، ثم الملك عبد الله بن عبد العزيز.
هل يمكن القاء ضوء أكبر على إخوانية اردوغان وحزبه، وعلى وضع مصر في ضوء تحالفها مع السعودية والخليج المشوب حالياً بشيء من البرودة؟