الحدث الرئاسي الذي أفضى إلى انتخاب الرئيس ميشال عون لم يحجب الأنظار عن التطوّرات العسكرية الميدانية في مدينة الشهباء حلب وفي محيطها، وعن المعارك التي تدور بين كافة فصائل المعارضة السورية وبين القوات العسكرية التابعة للنظام السوري مدعومة بالتحالف الروسي-الإيراني ومقاتلي حزب الله اللبناني.
وكذلك فإنّ الاحتفالات البرتقالية لم تستطع أن تحول دون مشاهدة سيارات الإسعاف الآتية من عمق الأراضي السورية مخترقة الحدود ومتجهة إما إلى الجنوب اللبناني أو إلى البقاع أو مستقرة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وهي محمّلة بتوابيت ملفوفة بالأعلام الصفراء وعليها صور شباب باللباس الميداني يتم الإعلان لاحقًا عن استشهادهم تحت عنوان الجهاد في سبيل الواجب من قِبَل وحدات الإعلام الحربي التابع لحزب الله. 
وفي التطورات الميدانية الأخيرة لسير المعارك في محاور مدينة حلب ومحيطها فقد مضى أكثر من خمسة أيام على بدء الفصائل السورية المسلحة المعارضة هجومها على محور الجانب الغربيّ للمدينة ضمن المعارك التي حملت أسماء عديدة أبرزها "ملحمة حلب الكبرى" التي هدف المسلحون من خلالها إلى اختراق الأحياء الغربية للمدينة وكسر الطوق عن الأحياء الشرقية فيها. 
وأدّت الهجمات الأولى للمسلحين إلى انسحاب القوات التابعة للنظام السوري من ضاحية الأسد القريبة من الأكاديمية العسكرية مع تراجع هذه القوات النظامية من منطقة منينان. كما استخدمت الفصائل المسلحة في هجومها تحت قيادة جبهة فتح الشام المفخخات بشكل رئيسي إلى جانب القذائف الصاروخية وأهمّها صواريخ غراد، وتمكنت مجموعات من المعارضة المسلحة من اقتحام الصفوف الأولى في ضاحية الأسد. 
وإذا كانت جبهات القتال في محاور حلب قد شهدت خلال اليومين الماضيين هدوءا نسبيًا فإنّ المعلومات الواردة تفيد أنّ الفصائل المسلحة تعمل في الوقت الحالي على إعادة تجميع قواتها. كما تحاول تثبيت مواقع سيطرتها قبل إطلاق المرحلة الثانية من العمليات. 
وتوقعت مصادر عسكرية أن يطلق المسلحون هجماتهم مع عودة الأمطار الغزيرة في سماء حلب بغية تحييد ما يمكن تحييده من سلاح الجو. 
وفي بيان صادر عن قيادة الجيش السوري ذكر أنّ التنظيمات الإرهابية، بحسب تعبيره، تستغل فترة التهدئة لتصعيد هجماتها على مدينة حلب واستهداف المدنيين في الأحياء الآمنة، وتابع البيان أنّ عدد القذائف التي أطلقتها هذه التنظيمات خلال الأيام الثلاثة الماضية وسقطت على المناطق السكنية في حلب بلغ أكثر من مئة قذيفة وخمسين صاروخ غراد وعشرين أسطوانة غاز إضافة إلى أعمال القنص ما أدّى إلى سقوط 84 قتيلا وإصابة ما يقارب 300 بجروح مختلفة وإلحاق أضرار كبيرة في الممتلكات العامة والخاصة. 
وبمعزل عن سير المعارك في جبهات حلب والتي تأخذ طابع الكر والفر فإنه يمكن التأكيد على جانب غاية في الأهمية وهو أنّ الفصائل السورية المعارضة والتي تخوض معارك وحروب شرسة ضد قوات النظام مدعومة بحلفائه ليست وكما يروّج البعض أنها شراذم مشتتة ومجموعات متفلتة وعصابات للنهب والسلب، بل هي نموذجًا من الشعب السوري الذي قرّر، ومنذ ما يقارب الخمس سنوات ونصف، التخلص من النظام الديكتاتوري الذي مارسه آل الأسد على سوريا لمدة أربعة عقود، والقضاء على التركيبة الفئوية والطائفية المتحكمة بالشعب السوري، فاختار في البداية الوسائل السلمية برفع شعار: الشعب يريد إصلاح النظام، ثم اضطر لاحقًا إلى حمل السلاح ردًّا على الرصاص الذي حصد الآلاف من المدنيين الذين كانوا يخرجون بمظاهرات سلمية. 
والمعارضة السورية التي تخوض معارك حلب هي جزء من هذا النسيج الاجتماعي السوري، وكانت المفاجأة في معارك حلب بانتقال المعارضة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم مترافقا ذلك مع تراجع روسي ناتج في جانب منه على إعادة النظر في مناحي العلاقة مع الإيرانيين ثم رغبة روسية في لحم الرئيس بشار الأسد وتذكيره تكرارا بأنه لم يعد يسيطر على شيء. وليس من حقه أن يخرج في كل مرة يسجّل فيها حلفائه تقدمًا على الأرض ويتبجح بتحقيق انتصارات. 
وقد لا يطول الزمن الذي يتكشف فيه عن تمايزات كبيرة وخطيرة بين أقطاب المحور الروسي الإيراني السوري. وعن حسابات روسية أكبر من بشار الأسد وأهم من العلاقة المفتوحة مع إيران، سيما وأنّ روسيا دخلت في إطار علاقة مميزة مع تركيا، وفي ظل التقارب الإيراني الأميركي خصوصا بعد إنجاز الملف النووي الإيراني مع دول الغرب.