لبنان بلد العجائب والغرائب، بلد المفاجآت المفتوح على كل الاحتمالات. بلد المراهنات الخاطئة، بلد الدويلات المشتتة والإستراتيجيات المتناقضة، الشعوب المبعثرة، الانتماء للخارج، بلد الوطن الضائع والجاهل لمعنى المواطنة بلد ال18 طائفة، بلد المحاصصة، بلد الفساد والسمسرات والسرقات والصفقات المشبوهة والحرية الغير مسؤولة؛ البلد المصادر قراره، بلد التسويات والديمقراطية الممسوخة. 
هو بلد الاغتيالات، بلد "اللي ما عجبك شوطو" و "البلد ماشي والشغل ماشي" ولكن نحو الانهيار، و "هنيئا لمن له مرقد عنز في جبله".
والأهم أنه بلد الربع الساعة الأخيرة في صياغة قراراته المصيرية المشوهة. 
فمنذ أقل من أسبوعين كانت الأجواء السياسية المحيطة بالرئاسة توحي بأنّ وصول زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، أو بالأحرى وضع حد للشغور الرئاسي، هي خارج حسابات كافة القوى السياسية والحزبية، وبعيدة عن توقعات المراقبين والمحللين والمنظرين وحتى من أجندات رؤوساء البعثات الدبلوماسية الخارجية المعنية بالشأن اللبناني. 
لكنه وفي لحظة ، تقاطعت خطوط سلبية لمعظم القوى اللبنانية، ففرضت إنتاج سلة من المصالح المتشابكة التقت حولها متطلبات المرحلة لتفرض واقعا مستحدثا. سُهِّل للعماد عون سلك الطريق إلى القصر الرئاسي في بعبدا. مما شكل مفاجأة صادمة لكل المتابعين لسير الاستحقاق الرئاسي. 
وبغض النظر عن الأسباب التي أنتجت هذه اللحظة الاعتراضية المفاجئة التي فرضت عون كمرشح وحيد لا ينافسه سوى الورقة البيضاء فإنّ كل فريق من الأطراف الوازنة على الساحة الداخلية بإمكانه استجماع مقدارٍ من المبررات كافيا لادّعائه بأنّ فوز عون هو نجاح لرؤيته واستراتيجيته ولفريقه السياسي. فحزب الله يستطيع أن يدّعي ويقولها بالفم الملآن أن وصول عون للرئاسة هو أحد الانتصارات الإلهية الخاصة به. فهو الحزب الذي عطّل الانتخابات الرئاسية لمدى سنتين ونصف تقريبا بسبب إصراره الذي بلغ حد التّعنّت على فرض عون كمرشّح وحيد دون منازع تحت عناوين المرشح المسيحي القوي ورئيس أكبر كتلة نيابية ومدعوم من قاعدة شعبية واسعة في الشارع المسيحي. رغم أنّ مشروع حزب الله يهدف إلى تعطيل مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فيها مؤسسة رئاسة الجمهورية. 
كذلك فإنّ تيار المستقبل وبشخص زعيمه الرئيس سعد الحريري، بإمكانه الادّعاء بأنّه هو من ساهم بشكل أساسي في إزالة عقبة الرئاسة بتبنّيه دعم ترشيح العماد ميشال عون. وأكثر من ذلك فقد يصل الادّعاء إلى أن الرئيس الحريري يعتبر صانعا لرئيس الجمهورية. ولولاه لما كان البلد ينعم برئيس رغم الخصومة المتراكمة بين التيار الأزرق والتيار البرتقالي ورغم أنّ التيارين يسيران بخطَّين متوازنين لا يمكن أن يلتقيا. 
ومن جانبه خصم الأمس وعدوّ قبل الأمس والمنافس اللدود للعماد عون في الشارع المسيحي رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، فإنّه بمقدوره أن يفتخر بأنّه خطا خطوة جبارة في لملمة المتناقضات المسيحية واستعادة حق المسيحيين بإنهاء الشغور الرئاسي بعد سحب ترشيحه لمصلحة العماد عون وتبنّي دعم ترشيحه بعد التوصل معه على ورقة التفاهم الموقّعة من الطرفين. 
حتى الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط فإنّ بإمكانه الزعم بأنّ إنهاء الشغور الرئاسي، ولو بانتخاب عون، يُعتبر نجاحًا لمشروع الحزب التقدمي الاشتراكي الداعي إلى إعادة بث الحياة في مؤسسات الدولة. 
أما الرئيس نبيه بري فإن معارضته لعهد عون المقبل فإنها توقفت عند حدود محاذير دولية وإقليمية تنذر بانفلات حبل الأمن وسقوط هيكل الدولة على رؤوس الجميع إذا ما استمر الفراغ الرئاسي بالتفاقم وتعطيل مؤسسات الدولة. 
فالمفاجأة الأكثر إثارة للجدل تكمن بأنّ صراع الأضداد أتاح لعون فرصته الذهبية التي ينتظرها منذ أكثر من ربع قرن: الوصول إلى القصر الرئاسي في بعبدا. 
إلا أن كرسي الرئاسة تبدو غير مريحة مع تراكم جملة من الملفات المعقدة فوقها. وترتِّب على عون مهمة إزالتها حتى يتاح له الجلوس عليها. 
ومن الواضح أن هذه الملفات ليست بالسهولة التي يمكن إزالتها دون توقع المزيد من المفاجآت التي ليست بحسبان الكثيرين.