تُثبت هذه الطبقة السياسية قدرتها على التماسك في الأوقات المفصلية الصعبة، فتجترج المعجزات كي تبقى ممسكة بتلابيب السلطة، ولا تتورّع عن انتهاك الدستور والقوانين والأعراف، فتعمد لتمديد ولاية مجلس النواب مرّة تلو الأخرى، وفي غياب رئيس الجمهورية تعتمد الحكومة توقيع ٢٤ وزيراً على مراسيمها، وعندما انطلق حراكٌ شعبي رافض لهيمنتها وإدائها، لم تعدم وسيلةً في اختراقه وإرهابه وشلّ حركته وإنهائه، وأبدت طوال فترة الشغور الرئاسي، الذي قارب الثلاثين شهراً قدرةً فائقة في مزج الشرعيات باللاشرعيات، ثمّ راحت أطيافها تتلوّن وفق المتغيرات، فتُبدّل مواقعها وتتنازع أدوارها، حتى أنضجت طبخة سُمٍّ جاهزة قدّمتها للشعب اللبناني في الواحد والثلاثين من تشرين الأول الماضي باجتماعها على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وكان قد سبق له وأذاق "شعب لبنان العظيم" أنواعاً من السموم منذ تولّيه رئاسة الحكومة الانتقالية عام ١٩٨٩ وحتى تاريخ انتخابه رئيساً اليوم، أمّا المفارقة الكبرى فتبقى أنّ مقولة "طابخُ السّم آكله" لا تصحُّ على "طبقتنا" السياسية هذه، فهي مُحصّنة وتعرف أساليب الوقاية اللازمة، أمّا شعب لبنان العظيم ،فقد أدمن على حمل مصائب حكّامه وهو صابر، وغداً أو بعد غد، يُجدّد العهد لها، تأسّياً بقول شاعر الخمريات أبي نواس:
دع عنك لومي فإنّ اللّوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الدّاءُ.