لا يمكن لهذا السّيرُ في ركاب التسوية التي ستوصل العماد ميشال عون إلى الرئاسة الاولى اليوم، القول إنّه حصيلة تسوية بين الوزير جبران باسيل ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. ربما هذا ما حاول الرئيس نبيه بري أن يقوله حين شنّ هجومه على الرئيس الحريري، وأوحى بأنّه كان كالزوج المخدوع، آخر من يعلم. علماَ أنّ الرئيس الحريري ذكر قبل أيام أنّه أبلغ الرئيس برّي في شهر آب المنصرم أنّه سيذهب لمحاورة الجنرال عون بعدما انتظر نحو عام على ترشيحه فرنجية من دون أن يحصل أي جديد.
غضب الرئيس بري بقي تحت السقف المرسوم. فهو لن يخرب التسوية. فأكّد أنّه سيحضر جلسة الإنتخاب ولن يقوم بأيّ دور يخلّ بالنصاب. وهذا هو ما يريده الذين صاغوا التسوية بغياب الرئيس بري ولكن ليس من دون علمه بأنّ هناك جهداً دولية وإقليمياً من أجل إنهاء الشغور الرئاسي. غضبُ برّي تصاعد في الأيام الأولى التي تلت إعلان الحريري تأييد عون للرئاسة، فهدد بأنّه لن يسمي الحريري، وأوحى بصعوبات لن يجتهد في حلّها على صعيد الإنتخابات النيابية أو تشكيل الحكومة، وأنّه ذاهب إلى تأييد فرنجية للرئاسة الأولى. لكنّه عاد إلى هدوئه، لا سيّما حين اتضحت الأمور أنّ انتخاب عون يحظى بمباركة سعودية وليس في الإقليم ولا على المستوى الدولي من يريد أن يمنع هذا الإستحقاق من الإنجاز. وبدا أنّ من كان يرجح أن ينضموا إلى تبني فرنجية والوقوف مع برّي، أيّدوا خيار المقاومة كما قال بيان الحزب القومي الذي برر تأييد عون، واصطف حزب البعث إلى جانبه رغم ثورة عاصم قانصوه قبل ايام ضد عون، فيما الرئيس بري وفرنجية استنجدا اخيراً بالورقة البيضاء.
تراجع الرئيس بري عن محاولة تقويض التسوية، إلى محاولة الدخول فيها من بوابة الإعتراض من داخلها، والمشاركة في صياغاتها العملية على صعيد التكليف والتأليف. وهذا يظهر إلى حدّ بعيد أنّ عوامل أكبر من داخلية هي التي فرضت هذا المسار، وأنّ تغييب الرئيس برّي عن المساهمة في إخراجها يتأتى إمّا من كون التسوية كانت محل اختبار، وتتطلب في مراحلها الأولى عدم تعريضها لانتكاسات من قبل متضررين، أو أنّ هذه التسوية كان يدرك حزب الله أنّ الرئيس بري لن يوافق عليها. وبالتالي فأن تتم بعيداً عنه أفضل من أن تتعرض لمخاطر الفشل والتسريب. لا سيّما أنّ حزب الله يعلم أنّ الجانب الأهم، هو المتصل بالحصة الشيعية في السلطة الجديدة. وهذا لن يوفر حزب الله من أجله الجهد والدعم للرئيس نبيه بري من أجل تأمينه في الاستحقاقات المقبلة. وقد أكّد عليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد أمس حين قال إنّ "التفاهم الكامل والقائم بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وبين "حزب الله" و"حركة أمل"، تجاه طريقة التعاطي مع هذا الاستحقاق، هدفه الوصول إلى "حفظ المكاسب لشعبنا المقاوم وعدم المس بما أنجزه وما أصبح حقّاً مكتسباً له". وفي هذا الكثير من الدلالات التي تطمئن الرئيس بري في المرحلة المقبلة.
حدود التسوية تبقى في مستوى انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة. لكن ما يتطلبه هذا الإنتخاب لرئيس يحسب إقليمياً ودولياً أنّه في خانة حزب الله والمحور الإيراني، هو الحرص على إطلاق ورشة حكومية من دون إرادة تعطيل. وفي هذا السياق يمكن إدراج عودة النائب عقاب صقر باعتبارها مؤشراً على الإنتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الفصل بين مجريات الأزمة السورية ولبنان أو تحييده قدر الامكان. وتنقل دوائر دبلوماسية أميركية أنّ حلول الأزمة السورية ليست قريبة بل ثّمة سنوات طويلة قبل وصولها إلى برّ الأمان. وفي هذا السياق تمت محاولة خلق حدود بين استمرار قتال حزب الله في سوريا وبين دورحزب الله في لبنان. وبحسب المعلومات فإنّ هذا التحييد، دون منع حزب الله من استمراره في الانخراط بالقتال في سورية، يتطلب إعادة تنظيم العلاقات بين مؤيدي نظام الأسد ومؤيدي الثورة السورية في لبنان على قاعدة التأكيد على أولوية الملفات اللبنانية الملحة.