تتيح فرصة اليومين الأخيرين قبل "الإثنين الكبير" لكثيرين منا استباق ما لا يجوز عمليا استباقه، ولكنه مبرر بموجات الانفعالات الشديدة التي أطلقها هذا التحول الآتي بالجنرال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. لن نقف امام فولكلورية مشهودة في الواقع اللبناني تتمثل في "نقل البارودة" من كتف الى كتف بلمح البصر. الأمر الذي يكتسب جدية ويستأهل الوقوف الاستباقي عنده هو الشك المشروع في كيمياء عهد ستحمله مكونات مفعمة بعدائية في ما بينها ولم تأتلف الا بدوافع شديدة الالتباس على انتخاب الجنرال الذي يعد أكثر شخصية مثيرة للصخب في العقود الثلاثة الاخيرة من تاريخ لبنان. يسارع مؤيدو الجنرال الى صد المشككين بان الجنرال الرئيس سيكون الحكم المنفتح والاستيعابي تحت ذاك العنوان الفضفاض المسمى ميثاقية ومشاركة متوازنة والذي عاند بقوة في مرحلة الصراع الرئاسي والسياسي من أجل جعله كاسحة الألغام لبلوغ حلمه الكبير بالوصول الى الرئاسة. ولكنها مسألة نظرية لا تستقيم مع واقع أشد تعقيدا من هذا التبسيط. نحن أمام الجنرال عون رئيسا وعلى يمينه زعيم "تيار المستقبل" وزعيم "القوات اللبنانية" وعلى يساره زعيم "حزب الله" وما بينهما في نصف معارضة ونصف مشاركة زعيم حركة "أمل" رئيس مجلس النواب. ليست هذه كيمياء تقليدية تأتلف كما حصل في سوابق تحت عناوين "حكومة وحدة وطنية" سرعان ما كانت تتلاشى عند اول هبة ريح فقط وانما ابعد أثر بكثير خصوصا وسط الالتباس الذي أثاره اندفاع الرئيس سعد الحريري الى الدفع بقوة نحو انتخاب الجنرال عون متكئا الى دعم الدكتور سمير جعجع ومن ثم تسببا بدفع السيد نصرالله الى رفع التحدي الذي لم يسبق له ان قام بمثله متعهدا عرض أوراق التصويت للجنرال على الملأ والاعلام. ذاك التسلسل في الحدث الحامل الجنرال الى الاثنين الحاسم يكتسب الرمزية الكبيرة التي لا بد للرئيس الثالث عشر للجمهورية ان يكون مدركا أكثر من الجميع معناها حين تنفض من حوله الاحتفالات الصاخبة ويشرع في قيادة الجمهورية المتعبة. سيكون الجنرال من الثلثاء المقبل امام التجربة التي لا تستقيم في قياسها اطلاقا كل تجارب عمره العسكري والسياسي والتي ستفرض إختبار مهاراته الطارئة في تحقيق التوازن الأصعب بين مكونات متفجرة. للمرة الاولى بهذه الفجاجة القسرية سيحمل الجنرال وزر ان يتحول خبيرا كيميائيا للاقلاع بعهده بحد ادنى من الأمان لئلا يتفجر حقل ألغام الحلفاء - الخصوم - الأعداء من اول الطريق. ليس مأثورا اطلاقا عن الجنرال "الصدامي" خبراته في هذا الحقل، فاذا بمفارقة من عجائب لبنان السياسية تحمله الى حيث لا يمكنه ان ينجح الا بخبرة كيميائي متمرس. فلننتظر.