خلال خطابه الأخير، ركّز الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله على أنه باستعداده لتلبية كلّ الموجبات العملية التي تؤمّن انتخاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وأبرزها ما أسماه التضحية الكبيرة من جابنه المتمثلة في قبول مقايضة عون رئيساً للجمهورية بالرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، يكون قد دحض عملياً وفي الممارسة ثلاثة أخطاء شائعة سادت حول موقفه من الاستحقاق الرئاسي طوال السنة الماضية، مفادها أولاً أنّ الحزب لا يريد رئيساً للجمهورية حتى اشعار اقليمي ايراني وسوري آخر. ثانيها أنّ الحزب يناور بترشيح عون، وثالثها أنه قادر على الضغط على حلفائه لتأييد عون ولكنّه لا يرغب.مجمل الاخطاء الآنفة، يهمّ «حزب الله» دحضها، لأنها تمسّ أمراً ثميناً واستراتيجياً لديه وليس تفصيلياً، وهو «صورة السيد حسن نصر الله». وببساطة يمكن الاستدلال على خلفية اهمية هذا الامر، بمجرّد إدراك أنّ ثلاثة ارباع نجاح، او بكلام ادق، تحصين نجاح تجربة الحزب واستمراره، تعتمد على الاستثمار في رمزية صورة نصرالله داخله.

فهو داخل الحزب يؤدي دور «الضمانة عالية المصداقية» بين معادلاته وأجنحته، وداخل مهمة الحفاظ على صلته بقاعدته الاجتماعية، وداخل صلته بحلفائه الذين بينهم عرب ومسلمون عالميون ومحليون. وهو ضمانة «وعد الحزب الصادق» سياسياً وعسكرياً ونفسياً.

بالنسبة إلى كثيرين، شكل التزام نصرالله الاخلاقي ترشيح عون للرئاسة، مناسبة لوضع اختبار صورة مصداقيته على المحك، وأدرك الاخير منذ البداية أنّ نجاحه في هذا الامتحان له منزلة انقاذ صورته من التشوّه، ليس فقط كشخص وزعيم وقائد، بل كضمانة داخل الحزب وبين الحزب وقاعدته الشعبية، وبين الحزب وحلفائه المحليين والإقليميين.

عبارة «نحن اهل الوفاء» التي استخدمها نصر الله في خطابه الاخير وكرّرها في خطب سابقة، ليست عبارة إنشائية، بل سياسية بامتياز، ولديها مقاصد سياسية، وتسهم في تذكير حلفائه في الداخل والخارج بموقعه كضمانة ثمينة.

في الحزب هناك قناعة بأنّ «السي أي آي» و»الموساد» وغيرهما اجهزة كثيرة، صرفوا مئات ملايين الدولارات لضرب صورة نصرالله، لأنّ ذلك يؤدي حسب قناعتهم الى المَس بجزء مهم من قوة الحزب. لا يرى اعداء الحزب واصدقاؤه مبالغة في المقولة التي تفيد أنه داخل ترسانة قوة الحزب السياسية والعسكرية يوجد سلاح مهم اسمه «صورة رمزية نصر الله».

ديبلوماسي ايراني زار بيروت بعد احداث 7 ايار، رد على سائليه عما اذا كانت طهران تريد خلق نصرالله 2 في العراق، من خلال مقتدي الصدر، بالقول: «لقد ثبت لإيران أنّ نصرالله تجربة لا تتكرّر في أيّ بلد آخر».

الانطباع نفسه موجود عند الرئيس بشار الاسد. وعليه عندما كانت كلّ من طهران ودمشق تقول لمطالبيها بالتدخل في الملف الرئاسي اللبناني: «اذهبوا الى نصرالله»، لم تكن هذه اجابة «تهرّب ديبلوماسية»، بل اسهام من كلّ منهما في تقوية سلاح مهم موجود في ترسانة الحزب وهو سلاح صورة أمينه العام.

بهذا المعنى، فإنّ البعد الأهم الذي شغل بال «حزب الله» في معركته لإيصال عون الى بعبدا، تمثل في عدم المس بصورة نصرالله الضامن لشبكة واسعة من المعادلات والتحالفات الداخلية والاقليمية التي ينشئّها الحزب ويوظفها في خدمة المعارك الكبرى للمحمور الذي ينتمي اليه.

في خلاصة اخرى، يمكن القول: صحيح أنّ نصر الله قدّم الى عون «خدمة حلمه»، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ جلوس عون في بعبدا يفيد في تثبت صورة نصرالله الضمانة، الامر الذي يفيد منه الحزب لبنانياً وعلى مستوى ابعد من لبنان وله صلة بكلّ المعادلات المرتبطة بصداقاته وتحالفاته وصراعاته، الخ... نصرالله في النهاية ليس كاريتاس، انه معادلة تتصل بها خيوط سياسة اقليمية معقدة، وهو بالنسبة لإيران الاقليمية تجربة لا تتكرّر ويهمها الإسهام في إنجاح صورة نموذجه داخل لبنان وفي منطقته.

وغداً حينما يلتقط عون صورته التذكارية والرسمية كفخامة رئيس، فإنّ نصرالله يكون في الوقت ذاته قد التقط أحدث صورة لنفسه داخل البوم صوره «كضمانة لوعود «حزب الله» الصادق سياسياً كما عسكرياً ولأعدائه الإقليميين كما حلفائه وخصومه المحليين.

يفاخر نصرالله في مجال شرحه لحرب الحزب النفسية ضد إسرائيل حيث يصفها بأنها غير مسبوقة، وذلك كونها نجحت في جعل العدو مقتنعاً بأنّ كلام «السيد» الذي يتوعّده به هو تهويل على اعصابه ولكنه حقيقة في الوقت نفسه. هل يصل ذات المعنى الى الخصوم والحلفاء المحليين، لجهة أنّ عليهم أخذ العبرة من تجربة عون مع الحزب، وذلك لجهة «انه عند نصرالله فقط توجد المكاسب، وهو يغنيهم عن الإقليميين وحتى الدوليين».

 

 

ناصر شرارة/ الجمهورية