مع أفول يوم الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2014، وهو آخر يوم لولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، والبلد يعيش في خضمّ بحور الاجتهادات والفتاوى لأصحاب النظريات الفقهية وجهابذة الدساتير والقوانين والمواثيق لاستنباط حكم عادل يفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وللتوصّل إلى إيجاد حلٍّ سحري يجنّب البلاد المزيد من الاستمرار في الفراغ الرئاسي. لكن المحظور وقع، وغابت الحلول ولم يتمكّن المتخاصمون من التوصل إلى رؤية واحدة وجامعة لتفسير مواد الدستور الخاصة بالانتخابات الرئاسية. 
والاختلاف في الرؤية وإن كان ظاهره صراع بين فريقين للوصول إلى سدة الرئاسة، إلا أنه بالواقع كان تنافسًا بين خيارين. فريق اختار السعي لانتخاب رئيس يبثّ الحياة في مؤسسات الدولة وأجهزتها المعطلة والمصادرة ويعمل لإعادة استنهاضها لاستعادة دورها ومهامها المتعلقة بتفاصيل الحياة اليومية بعد أن شارفت الأمور ومن كافة جوانبها السياسية والاجتماعية والمعيشية والأمنية والاقتصادية وعلى كافة المستويات على الانهيار. والفريق الآخر اختار الاستمرار في الفراغ الرئاسي مستخدما وسيلة التعطيل للجلسات النيابية المخصّصة لانتخاب الرئيس والتي جاوزت 45 جلسة بوسيلة الإصرار على فرض مرشّح واحد للرئاسة، بمعنى أنّ التنافس لم يكن بين مرشّح وآخر. بل بين التعطيل لمؤسسة الرئاسة وبين إنهاء الشغور الرئاسي. 
هذا الواقع فرض التقلبات في المشهد السياسي واللجوء إلى الخيارات الصعبة بدأها الرئيس سعد الحريري الذي كان داعما لترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بانتقاله لدعم ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية أحد أقطاب فريق الثامن من آذار، كمنافس لمرشح حزب الله العماد ميشال عون. وعلى أن يكون الفائز بسدة الرئاسة واحد من مرشحَين ينتميان إلى ذات الفريق السياسي كتسهيل لعملية الخروج من المأزق الرئاسي وذلك بعد إقدام جعجع على سحب ترشيحه لمصلحة عون. 
إلا أنّ المسعى الذي قام به الحريري لم يمكّنه من إزالة عقدة الترشيح تحت ضغط إصرار حزب الله على المرشح الواحد والوحيد الذي يبدأ اسمه بحرف ميشال عون، مع توجيه تهمة التعطيل إلى تيار المستقبل بأنه يرفض التوافق على المرشح المسيحي القوي الوحيد ميشال عون. واستمرت رحلة الفراغ الرئاسي بكافة جوانبها السلبية إلى أن اضطر الرئيس سعد رفيق الحريري للسير في الخيار الصعب بإقدامه على دعم ترشيح العماد ميشال عون.
من الطبيعي أن الرئيس سعد الحريري لم يكن مرتاحا لهذا الخيار، وكان يعي حجم المعارضة في شارعه وفي بيئته وبالذات في أوساط فريقه السياسي. وعندما اضطر في البداية لترشيح فرنجية جاء الرد من حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله عندما قال: إنّ صمودنا كل هذه الفترة هو الذي دفع الحريري إلى خيار فرنجية. وصمودنا أكثر سيدفعه إلى القبول بالعماد ميشال عون. 
على وقع هذا التحدي وجد الرئيس سعد الحريري نفسه أمام أحد خيارين أحلاهما مر. إما دعم عون أو الاستمرار في الفراغ الرئاسي الذي قد يجرّ البلد إلى مؤتمر تأسيسي وإن كان بتسميات متنوعة. لذا مضى في الخيار الذي يحفظ البلد ولو بحدوده الدنيا وذهب إلى أقصى ما يمكنه الذهاب إليه بدعم ترشيح العماد عون مع كل ما يترتّب على ذلك من ردود سلبية من أعضاء كتلته ومن شارعه ومن تياره. 
ومع هذا لا يمكن الجزم بأنّ عقدة الرئاسة قد تمت إزالتها نهائيا. فالأيام المتبقية حتى موعد الجلسة نهاية الشهر الجاري يشوبها الكثير من الحذر. وهو ما برز في كلمة سماحة السيد حسن نصرالله الأخيرة عصر يوم الأحد الماضي حيث تخوّف من عقبات قد تعرقل المسار وتنسف المبادرة الحريرية إذ اعتبر كثيرون أن الحريري تفرّد بخطوته دون التشاور مع حلفائه وأصدقائه. 
وبغض النظر عن شكل التفاهمات التي تمّت بين الحريري وعون والتي لم يرشح سوى القليل منها، إلا أنه لا يجوز النظر إلى خطوة الحريري بدعم ترشيح عون من منظار ضيق وبعين واحدة والمبنية على المصالح الضيقة والصغيرة، بل لا بد من قراءتها بعين استراتيجية تنظر إلى مستقبل البلد. 
وفي حسابات النجاح والفشل فإنه من التبسيط والاستخفاف النظر للأمور على أنها تنافس بين مرشحين. بل لا بد من النظر إليها بواقعيتها، وهي أن التنافس الذي فرضته مجريات الأحداث هو بين خيارين؛ إما انتخاب رئيس للبلاد حتى ولو كان ميشال عون أو المضي في الفراغ الرئاسي وهو ما يسعى إليه حزب الله. 
وقد لا يمضى وقت طويل ويدرك اللبنانيون أهمية خطوة الرئيس سعد الحريري الذي سار في الخيار الوطني رغم صعوبته وكلفته العالية الثمن كما سار والده الشهيد رفيق الحريري في المشروع الوطني فكانت الكلفة حياته ثمنا لخياره المستحيل.