أسبوع فاصل وحاسم قبل بلوغ جلسة 31 تشرين الأول لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، الصورة تبدو وكأنّ الطريق معبّدة والجلسة قائمة في موعدها من دون أيّ معوّقات أو مطبات تُهدّد انعقادها، ولكن تبقى الاحتمالات كلها واردة طالما أنّ الغموض ما زال يكتنف بعض الحراك المحيط بهذا الاستحقاق، أولاً لجهة حركة سعد الحريري وزيارته الأخيرة الى السعودية التي تمّ استدعاؤه اليها بعد الإعلان عن قراره تأييد النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وثانياً الموقف الأميركي الذي عبّر عنه وزير الخارجية الأميركية، فعلى رغم التوضيحات التي أحيط بها كلام الوزير جون كيري، ما زال محلّ التباس وتشكيك وحذر لدى بعض المستويات السياسية.كلّ اللواقط الداخلية والانتينات السياسية على اختلافها، موجّهة نحو السعودية رصداً لحركة الحريري فيها، وما سيسمعه من السعوديين ربطاً بما سمّاها هو شخصياً «المخاطرة» في إعلانه تأييد عون، وبالتأكيد أنّ ما سيُقال للحريري في المملكة سيكون له صداه في لبنان وترجمة مباشرة وفورية على المشهد السياسي، سواءٌ أكان الكلام السعودي ينطوي على مباركة صريحة لهذا الترشيح أو على تحفّظ أو رفض له.

من هنا، فإنّ الساعات المقبلة حاسمة وستحمل حتماً جلاءً للصورة، ما سيُحدّد الوجهة النهائية التي ستسلكها الأمور إمّا في اتجاه الجلسة والانتخاب في 31 تشرين بما يفتح البلد على مرحلة جديدة، وإما في اتجاه العودة الى نقطة الصفر، ومن شأن ذلك أن يفتح البلد على مرحلة جديدة مفتوحة بدورها على شتى الاحتمالات.

في أيّ حال، جلسة الانتخاب في 31 تشرين قائمة في موعدها وليس ما يُهدّد انعقادها، خصوصاً أنّ النصاب العددي للانعقاد والانتخاب متوافر، وإن انعقدت فعون رئيساً حتماً كونه يحظى بأكثرية واضحة، وحتى ولو لم تكن الأكثرية التي يريدها كبيرة فيها شيء من التعزيز المعنوي لانتخابه.

وما يزيد اليقين من انعقاد جلسة الانتخاب آخر الشهر، أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي يبدو وكأنه «حارس النصاب»، وربطاً بذلك، فعاد وكرّر في جنيف ما سبق له أن أكّد عليه في بيروت «سأكون أوّل الحاضرين أنا وكتلة «التنمية والتحرير» في جلسة الانتخاب».

لن يلعب برّي لعبة غيره، بل لن يسقط في ما سقط فيه غيره، وكان شديد الوضوح وحاسماً في هذا المجال عندما سُئل: هل ستعطّل جلسة 31 تشرين، فقال صراحة «أعوذ بالله».

ثمّ أضاف: «ليكن معلوماً، تعطيل النصاب في جيبي الكبيرة، وأنا أدرك ما أقول، لكنّني لن أعطّل أبداً، لم افعل ذلك قبلاً، ولن أفعله الآن. ولن أسجّل عليّ هذا الأمر، ولن أترك لأحد أن يتّهمني بأنني أعطّل نكاية بأحد، أبداً. التعطيل، وإن كان حقاً للنائب، إلّا أنني اعتبره غير دستوري».

وكشف برّي أنه أبلغ هذا الكلام الى عون في لقائهما الأخير الذي جمعهما في عين التينة يوم إعلان الحريري تأييده ترشيح رئيس تكتل «التغيير والإصلاح»: كان لقاؤنا طبيعياً جداً، وقلت كلّ ما لديّ لعون، وقد كان متفهّماً. في جيبي تعطيل النصاب، ولكنني لن أقدم على ذلك ابداً، ولن أفعل كما فعل غيري، أنا سأنزل الى مجلس النواب في جلسة 31 تشرين، ولكنني لن انتخبك، ولا تظنّ لحظة بأنني لا سمح الله أكرهك أو ما شابه، بل أكنّ لك كلّ تقدير وودّ واحترام. وكان ردّه متفهماً حيث قال لي أنا احترم رأيك واحترم قرارك، ونبقى أخوة بالتأكيد».

إلّا أنّ برّي لا يريد أن يستبق الأمور وتحديد النتيجة التي ستنتهي اليها جلسة 31 تشرين، فعندما سئل: هل سيكون هناك رئيس للجمهورية في الجلسة، أجاب: إذا كان النصاب متوافراً، فلماذا لا؟ ثمّ إنه كان واضحاً أيضاً عندما أكد أنه سيصوّت للنائب سليمان فرنجية «طالما هو مستمرّ في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، فصوتي وأصوات كتلة التنمية والتحرير له».

تبعاً لذلك، حسَم بري موقعه منذ الآن: «أنا في المعارضة، لكن ليس المعارضة لمجرّد المعارضة، بل المعارضة البنّاءة، لقد سبق وأعلنت أنني في المعارضة ولكن ليس معنى ذلك أن اطيّر النصاب، بل المعارضة التي أعارض فيها حيث أرى من الواجب عليّ أن أعارض لتصحيح الخلل، أيّ خلل أرى أنه قد حصل، وأكثر من ذلك، فربما في وقت ما في ظلّ هذا المشهد الجديد، وعندما أجد أمراً جيداً وأرى انه يستوجب عليّ أن أوافق عليه فسأوافق عليه وأمشي فيه أنا وأخواني في المعارضة، هذه هي المعارضة التي سأذهب اليها. أيّ المعارضة البنّاءة، لا المعارضة الإعلامية التعطيلية او للنكاية بهذا او ذاك».

عندما يُقال لبرّي: لا احد يتخيّلك في المعارضة بعد هذه السنوات الطويلة في الجهة المقابلة، يسارع الى القول: «هناك أجسام تلبس كلّ الألوان». لكنّه لا يرمي ورقة تسمية رئيس الحكومة الجديدة من الآن، مع أنه قد حسَم موقفه في هذا المجال، إذ إنه عندما سُئل: اذا حصل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هل ستسمّي سعد الحريري لرئاسة الحكومة؟ قال: لوقتها.

ولكن في قراءته للوقائع المحيطة بخطوة الحريري ترشيح عون والاتفاق الذي حصل بينهما على مرحلة ما بعد الانتخاب، يرى برّي أنّ هناك مَن ذهب الى ما سبق أن نادى به هو شخصياً وكان محلّ اعتراض من هؤلاء تحديداً.

هنا يسرد برّي بعض الملاحظات، ففي فترة طرح سلّة التفاهمات، كنت أقول لهم، تعالوا لنتفق أولاً على مرحلة ما بعد رئاسة الجمهورية، لكي يأتي العهد الجديد محصَّناً ولكي لا نصلب الرئيس قبل انتخابه، وفي قولي هذا كنت أقول لنتفق على رئيس الجمهورية ميشال عون او غيره أيّاً كان الاسم، وعلى تشكُّل الحكومة، وعلى اسم رئيسها. وعلى قانون جديد للانتخابات، وأوّل عمل نقوم به هو أن ننتخب رئيس الجمهورية. فاعترضوا على ما طرحته.

ولكنّ المفاجأة، التي ظهرت، يضيف برّي، تبدّت في أنّ ما طرحته شخصياً واعترضوا هم عليه، التزموا به، فعندما قلت في خطاب 31 آب عن تشكّل الحكومة، اقاموا القيامة على اشارتي الى التشكّل واعترضوا على اعتبار أنني اتحدث عن التشكيل، ولكن الآن تبيّن من خلال الاتفاق بينهم (أي الاتفاق بين الحريري وعون)، أنهم متفقون على «تشكّل»، أيّ على اسم رئيس الحكومة (سعد الحريري)، وعلى نوع الحكومة، وعلى حجم الحكومة من 24 وزيراً، وكذلك على توزيع بعض الحقائب الوزارية والسيادية منها خصوصاً، وحدّدوا مَن سيتولّاها من الآن. فلماذا رفضوا سلّة التفاهمات التي ناديت بها، وعادوا هم واتفقوا على سلّة تفاهمات؟

أكثر من ذلك، يسأل بري: أين قانون الانتخاب، لقد سبق وأكدت أكثر من مرة أنّ من الضروري لنا أن نتفق على قانون انتخابي قبل انتخاب الرئيس على اعتبار أنّ هذا القانون يقدم حيوية للعهد المقبل والبلد عموماً، ولكن كما يقال، ولا املك معلومات يقينية هنا، بأنهم اتفقوا على عدم مقاربة قانون الانتخابات. بل الإبقاء على قانون الستين».

تبعاً لما تقدّم يسأل بري السؤال الآتي: الآن اتفقوا على ما يريدون، ولنفرض أننا ذهبنا الى جلسة 31 تشرين الأول وتمّ انتخاب رئيس الجمهورية، فماذا بعد ذلك، كيف سيقلع العهد الجديد؟

ثمّ يجيب برّي على هذا السؤال برسم المشهد الآتي: أولاً، ينتخب رئيس الجمهورية. وتصبح الحكومة الحالية فوراً حكومة تصريف أعمال. ثانياً، يُدعى الى استشارات نيابية ملزمة لتكليف شخصية تأليف الحكومة. ثالثاً، بدء مرحلة تأليف الحكومة الجديدة. فليقولوا لنا كيف ستتشكل هذه الحكومة. أنا أعتقد أنّ تأليفها إن تمّ، فلن يتمّ قبل خمسة أو ستة اشهر، وأن تنقضي هذه الأشهر، معناه أننا اقتربنا من موعد الانتخابات النيابية.

أي أنّ الصورة تصبح آنئذ على الشكل التالي: رئيس جمهورية بلا حكومة، حكومة تصريف أعمال غير قادرة على الحكم واتخاذ القرارات، رئيس حكومة تصريف أعمال بلا صلاحيات، بل مقيّد بصلاحيات ضيقة جداً، رئيس مكلف تشكيل الحكومة غير قادر على التشكيل، ومجلس نيابي ممدّد له، وتنتهي ولايته، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟

يقول برّي: إن وصلنا الى هذه الحالة، فإنّ نسبة الضرر ستكون كبيرة جداً على البلد، والضرر سيلحق بالجميع، ولكن مَن سيتضرّر اكثر من الجميع هو «فخامة الرئيس الجديد».

إذ يكون في بداية عهده قد تلقى ضربة كبرى. وفي أوّل عهده سنكون امام قانون للانتخاب لا احد يريده، مع العلم انني أذكّر بما قلته في مرحلة سابقة «قلوبهم معه وسيوفهم عليه». وهذا كله سيؤدي الى امتصاص العهد فور انطلاقه. ما يجب أن يعلمه الجميع هو أنّ العرس مهم، وأهمّ من العرس هو الزفّة.. وشهر العسل، والأهم من كلّ ذلك هو أكل العسل، فكيف سيُؤكل العسل؟

سُئل برّي عما تردّد عن لقاء بينه وبين السيد حسن نصرالله، فقال: أنا في جنيف الآن، واذا التقيت بالسيد هنا في جنيف يكون ذلك صحيحاً.

وكان برّي قد بدأ نشاطه في جنيف حيث يشارك في الاجتماع البرلماني الدولي، بترؤس الاجتماع التشاوري لاتحاد مجالس دول منظمة التعاون الإسلامي، وأكّد «أنّه علينا العودة الى قبلتنا الاولى، فلسطين والقدس»، وقال إنّ «الشيء الوحيد الذي يذكرنا اليوم بفلسطين، هو فتية فلسطين الذين يتصدّون لقوات الاحتلال الاسرائيلي بالسكين».

وقد قدمت رئيسة مجلس الشعب السوري هدية عباس اقتراحاً باعتماد بند طارئ ضد العقوبات التي تتعرّض لها سوريا وتأثيرها على الشعب السوري وحقوق الانسان، كذلك قدم الوفد السعودي اقتراحاً ضد القانون الاميركي «جاستا»، معتبراً أنه يشكل انتهاكاً سافراً لسيادة الدول. كما قدم الوفد المغربي اقتراحاً بالتأكيد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

وقال برّي «إنّ كلّ هذه الاقتراحات تتلاقى تحت عنوان حماية سيادة الدول»، لافتاً إلى أنّ «جاستا مطبق عملياً على نصف الشعب اللبناني من دون قانون، إذ إنّ أهمّ عامل اقتصادي مساعد للبنان هو تحويلات المغتربين التي تقدر بين 7 و8 مليارات دولار، ومنذ نحو خمس سنوات نواجه ضغوطاً متزايدة وحصاراً يشبه الحصار القائم أو الذي تتعرّض له بعض الدول العربية».