فعلها الرئيس سعد الحريري ورشّح ميشال عون، الخصم اللدود لجمهور تيار المستقبل، بعد أخذ وردّ دام أكثر من سنتين.
كانت الخطوة جريئة وشُجاعة كما وصفها سابقا السيد حسن نصر الله كون الرجل يقفز قفزة إلى المجهول ويغامر بما تبَقّى له من رصيده السياسي والشعبي.
هذا الرصيد الذي ورثه عن الرئيس رفيق الحريري شكّل له ضمانة أخلاقية وسياسية وشبكة أمان ومصالح مع أصدقاء الحريري الأب كالنائب وليد جنبلاط ودولة الرئيس نبيه بري.

سبب غضب بري:

منذ 2005 كانت العلاقة أكثر من مميزة بين الحريري وبري باستثناء ما حصل في 2011 وما تلاها من تصريحات للحريري توعّد فيها الحريري بري أنّه لن يرى رئاسة المجلس بعد الآن.
حينها كانت فورة غضب من الحريري الذي شعر بالإهانة من الطريقة التي أُسقطت فيها حكومته، لكنه تجاوز ذلك بعدها وفتح صفحة جديدة مع عين التينة كانت مميزة وشهدت تطورا إيجابيا إلى أن حصلت إنعطافة الحريري اليوم.
ضمن هذا السياق التاريخي  يمكن تفهّم غضب الرئيس بري مما يحصل و عدم حصره بسبب واحد.
ولكي نفهم  هذا الغضب علينا الانتباه إلى ثابتة وركيزة في فكر ووعي الرئيس بري وهي رفضه القاطع للعماد ميشال عون ومشروعه في البلد وهذا الرفض له أسبابه التاريخية والحالية.
هذه الثابتة ضرورية لقطع الطريق أمام التحليلات التي تقول أن بري يرفض عون بطلب من حزب الله، نعم هناك مصلحة مشتركة في لحظة معينة لم يكن حزب الله يريد فيها عون رئيسا فتقاطعت مع مصلحة بري واستغلّ فيها الحزب رفض بري كذريعة، وهو لا يزال حتى اليوم يمارس نفس اللعبة .
مع هذه الثابتة الضرورية يأتي سببان أساسيان جعلا الرئيس نبيه بري يغضب من ترشيح سعد الحريري لميشال عون.
السبب الأول هو معنوي بامتياز، كون طبخة الترشيح حصلت بعيدا عن ناظرَي بري فلم يضع عليها لمساته الخاصة، وهو المعروف بأنه عراب الرؤساء وحامي الجمهورية ورقم لبنان الصعب.
شعر الرئيس بري لأول مرة بأن الأمور تطبخ بعيدا عنه فرفض وغضب وانتفض واعتبر الأمر مساسا بكرامته وتجريحا به.
يضاف إلى ذلك أنه قبل عام تقريبا نجح الرئيس بري في إقناع الحريري بمساعدة جنبلاط على ترشيح النائب سليمان فرنجية، ففكرة ترشيح فرنجية كانت فكرته الخالصة والتراجع الذي حصل من الحريري عن هذه الفكرة جرت بطريقة وأسلوب استفزّ بري.
فمشكلة بري مع الحريري بالدرجة الأولى هي مشكلة معنوية لا أكثر ولا أقل، على الأسلوب وطريقة التبليغ والإنعطافة.

إقرأ أيضا : إقتربت ساعة الرئاسة فتغير عون

السبب الثاني:

سبب آخر جعل الرئيس نبيه بري يقوم بثورته الخاصة على مخطط إيصال الجنرال عون لقصر بعبدا  هو الاتفاق الذي حصل بين الأستاذ نادر الحريري والوزير جبران باسيل حول مستقبل العهد وقضاياه.
هذا الإتفاق سُرّب عبر الإعلام ونفاه التيار الوطني الحر والحريري لكن إصرار بري على ذكره في مجالسه الخاصة وفي لقائه أمس مع عون في عين التينة يؤكد أن الإتفاق حصل وهو ما يكرره الحريري وعون دائما بأنه مجرد تفاهم.
هذا الاتفاق بحسب ما سُرّب أظهر أنه قطع شوطا كبيرا إلى الأمام بحيث لا يكون أي دور للرئيس بري والنائب جنبلاط وباقي الأطراف في إبداء الرأي والاستشارة خصوصا أنّ ما شمله الاتفاق هو مواضيع حساسة كقيادة الجيش والوزارات السيادية وحاكمية مصرف لبنان، وكلها قضايا كان نبيه بري المحدّد الأساسي لها سابقا.
ففي اللحظة التي بدأت تتسرب فيها بنود هذه الإتفاقية بدأ الرئيس بري والدائرة الإعلامية المحيطة به بالتصعيد إعلاميا وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، وهدد بري بالخروج من السلطة والتمركز بالمعارضة.
مجرد مطالعة سريعة للاتفاق تجده أنه كفيل بتكبيل صلاحيات الرئيس بري في النظام اللبناني وإضعاف حيثيته وتخفيف تأثيره في المعادلة اللبنانية، ويدرك بري ذلك جيدا بل يدرك أيضا أن هذا الإتفاق والعهد القادم سيكون بداية النهاية للضغط عليه وإضعافه، فاستبق الأمور وصعد.
وهذا السبب بالتحديد هو مشكلة بري مع عون في هذه الفترة، ومع حزب الله لاحقا.

 

 

الحل ممكن:

أمام هذا الوضع، اعترف الرئيس بري بأنه سيحضر جلسة إنتخاب الرئيس لكنه لن يصوّت لعون وأبلغه ذلك شخصيا.
لكن هل انتهت الأمور هكذا؟
الجميع يراهن على الوقت، فالسببين قابلين للحل والتفاوض على شكل العهد القادم والحصص وقوى النفوذ كلها أمور ممكنة في اللعبة اللبنانية والرئيس بري رائدها ويدرك كيف يدور الزوايا  لكن سيعترض طريق الأطراف اللبنانية ثابتة بري تجاه عون.
فلو حلّت هذه الثابتة، سينتخب الرئيس بري عون في جلسة 31 تشرين الأول أو في الجلسة التي تليها في حال تأجلت بعد إيجاد حلول للسببين. أما لو بقيت الثابتة ثابتة ولم تتغير، فالرئيس بري متجه نحو المعارضة.
هي إشارة كبيرة لتحوّل كبير سيشهده النظام اللبناني، قد لا ينتهي إلا بمؤتمر تأسيسي جديد أو مغامرة مجهولة .

 

بقلم رئيس التحرير