لا يستطيع "حزب الله"، في رأي المتابعين من قرب أنفسهم حركته السياسية، أن يفرّط بمرشحه العماد ميشال عون وخصوصاً بعدما أيّدته الكتلة السياسية السنية الأوسع شعبياً رغم الضعف الذي أصابها جرّاء عوامل عدة والتي تزعّمها الرئيس سعد الحريري. فهو فرّط قبل نحو سنة بترشيح الكتلة نفسها حليف "الحزب" وحكم آل الأسد النائب سليمان فرنجية. وكانت حظوظ رئاسته أكبر من حظوظ المرشح الحالي عون جرّاء "تأييد" كبار المنطقة والعالم له. والسبب الأوّل لعدم قدرة "الحزب" على التفريط بعون هو أن "الشيعية السياسية" هي التي اختارت أو ستختار رئيساً لدولة لبنان. وهذا أمر لم يحصل سابقاً وربما ما كانت تحلم أنه سيحصل. والسبب هو أيضاً أن أعداء "الحزب" من اللبنانيين المسلمين (أي السنّة) الرافضين تدخّله العسكري في سوريا والمتعاطفين مع كل الذين يقاتلون نظام الأسد وحلفائه، والخائفين من سيطرة الشيعة على السلطة في لبنان، هو أن هؤلاء هم الذين تبنوا مرشحه عون، وهذا واقع لا يجوز تجاهله. ذلك أن المنطقة من حول لبنان مشتعلة، والحرب الدائرة فيها وقودها الصراع السنّي – الشيعي رغم كل ما يُقال عن أسباب أخرى لها، مثل الهجمة الصهيونية – الأميركية على المنطقة وتعبيد الطرق أمام تحوّل إسرائيل دولة مقبولة من المنطقة ولمدة طويلة جداً. والتخلّي عن مكسب الرئاسة الآن مغامرة. إذ لا يعرف أحد حتى الآن نتيجة "حرب سوريا" وحروب إيران وروسيا وأميركا وتركيا والمملكة العربية السعودية. علماً أن الرئاسة مع القوة السياسية المهمة لـ"حزب الله" في الداخل وقوته العسكرية التي فاقت ومن زمان قدرات الدولة اللبنانية، وخصوصاً بعدما صارت قوة إقليمية مهمة يُحسب لها ألف حساب، علماً أنها قد تشكل ضماناً في حال كانت نتائج ما يجري في غير مصلحة "الحزب" وشعبه الشيعي وحليفه بل مؤسسه الايراني وحليف الأخير أي روسيا، أو في غير مصلحة المنطقة وشعوبها كلها بدولها وقادتها المتناقضين والمتعاونين، أي وقوعها في حرب تستمر عقداً أو عقدين تقضي على الأخضر واليابس وعلى الأعداء والأصدقاء في آن واحد.
هل يكفي ذلك لكي يتابع "حزب الله" دفع حليفه عون كي يتربّع على سدة الرئاسة الأولى؟
ربما يشكل المنطق المشروح أعلاه دافعاً مهماً. لكنه لا يكفي لكي يستمر "بولدوزر" "الحزب" في مسيرته نحو بعبدا والسرايا الحكومية ومجلس النواب. إذ يحتاج الى عامل آخر من دونه لا يستطيع توفير وضع يمكنه من انتظار الاستقرار الاقليمي. وهو استمرار التفاف الشيعة أو غالبيتهم الساحقة حوله وحول سياسته الداخلية والخارجية، وذلك لن يكون ممكناً أو على الأقل يسيراً إذا فشل "الحزب" في المحافظة على "الثنائية" الحاكمة الشيعة مباشرة ولبنان مداورة، والمؤلفة من "الحزب" و"حركة أمل". وهي الآن في امتحان صعب قد يتحوّل عسيراً. فالرئيس نبيه بري أحد طرفيها قد يكون ضاق صدره رغم المحاولات التطمينية المتكررة للسيد حسن نصرالله بالأقاويل والشائعات عن أن مصير حركته بعده، أطال الله عمره، هو الاحتواء من "الحزب". وقد تكون راودته شكوك بسبب عدم إقدام الأخير على الضغط على عون لوقف معاداته له علانية وسراً، وبسبب عدم الاعتراض على وضعه أمام أمر واقع هو عون رئيساً رغم موقفه السلبي منه ومن دون تأمين "طلباته" في حال وجودها، وبعد موافقة الحريري التي اعتبرها أشد أهمية من موافقته هو (أي بري). علماً أن غضب رئيس المجلس اليوم ليس على عون فقط وعتبه ليس على "الحزب" فقط بل الاثنين على الحريري الذي أعلن هو أنه "معه ظالماً أو مظلوماً". فكانت مكافأته بهذه الطريقة. طبعاً لا يزال مبكراً معرفة نهاية هذا المسار المتعرج المليء بالعقبات. لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: هل تعمّد الحريري بترشيحه الأول والثاني إحراج "الحزب" و"الثنائية" وضرب الوحدة الشيعية؟ والجواب التحليلي عن ذلك هو: كلا رغم أن بعض محيطه لا يخلو من الخبث. فالدافع الى الترشيحين ولا سيما الثاني كان يأسه من الحلفاء في المنطقة وخارجها ورغبته في العودة الى السلطة من أجل حل مشكلاته. كما كان يأس مستشارين له من الأمر نفسه ورغبتهم في حصد المكاسب وتحقيق الطموحات. والخلاف الشيعي – الشيعي إذا حصل قد يكون "رمية من غير رام".
هل تشهد المدة الفاصلة عن جلسة الانتخاب في 31 الجاري حلحلة للعقد في وجه انتخاب عون أو إرجاءً؟ وماذا يحصل بين الجلسة المرجأة (46) والجلسة 47؟