بين الحلم والواقع رحلة شاقة من الأوهام تزيغ الأبصار وتحجب رؤية  الأمور عن حقيقتها وما بين الرابية والقصر الرئاسي مسلسل من الوعود الكاذبة والاضاليل لم تزلها جموع العونيين التي احتشدت على مشارف بعبدا احياءا لذكرى الثالث عشر من تشرين أول 1990 المشؤومة، يوم الهروب الكبير للجنرال ميشال عون من القصر الجمهوري باتجاه السفارة الفرنسية التي سهلت له عملية الفرار إلى باريس منهزما أمام القوات السورية التي اجتاحت المنطقة  تاركا وراءه أشلاء مئات القتلى من جنود الجيش اللبناني واضعافهم من الجرحى سوى العشرات الذين وقعوا في الأسر ولم يعرف مصيرهم حتى اليوم. 
وما بين فرضية إعتلاء زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون سدة الرئاسة للبلاد وحسابات حزب الله الداخلية والإقليمية مساحة واسعة من الاختلافات في الرؤى الإستراتيجية فرضت على الحزب لعب دور المعطل للانتخابات الرئاسية ولباقي مؤسسات الدولة  وفرض خياراته على معظم القوى السياسية والحزبية على الساحة الداخلية انسجاما مع مشروعه المرتبط بالمشروع الإيراني في المنطقة. 
فطموح العماد عون بالفوز بالرئاسة والذي حوله إلى مهووس لا يرى من دنياه سوى كرسي القصر الجمهوري هو خارج استراتيجية حزب الله التي تجاوزت الواقع الداخلي إلى الواقع الإقليمي محتفظا  بورقة تعطيل الرئاسة لاستخدامها في التفاهمات والمفاوضات الإقليمية وليس للتوافق الداخلي بين الأطراف اللبنانية. 
وحزب ألله الذي استطاع أن يسلك طريق التعطيل الرئاسي على مدى السنتين والنصف تقريبا فإنه لا زال يمتلك القدرة على إطالة أمد الشغور الرئاسي سيما وأنه لم يطرأ اي جديد في المتغير الإقليمي. 
إلا أن امكانيته في رمي كرة التعطيل في ملعب فريق الرابع عشر من آذار بداية ومن ثم في ملعب تيار المستقبل لاحقا بعد انسحاب رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع من سباق الترشح لمصلحة العماد عون بدأت بالتراجع النسبي خصوصا بعد المعلومات والمعطيات التي يتم تسريبها عن الأجواء المحيطة بالرئيس سعد الحريري عن أنه بات على قاب قوسين او أدنى من الإعلان عن قراره بدعم ترشيح عون للرئاسة.
 الأمر الذي يضيق الخناق على حزب الله ويحصره في دائرة الاتهام بالتعطيل. 
لكن ذلك لا يمنع الحزب من الإيعاز لحلفائه الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية لتعطيل جلسة مجلس النواب القادمة المقرر انعقادها أواخر الشهر الجاري والمخصصة لانتخاب الرئيس.
وإذا كان من حق عون وجمهوره البرتقالي أن يعيش اجواءا تفاؤلية بأن عصفور الرئاسة لم يعد يفصله عن اليد سوى إعلان الرئيس الحريري  دعمه لترشيح عون  إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى جملة محاذير لا زالت تحول دون هذا الاعلان. 
وفي هذا السياق فإنه تم رصد خطاب عون الأخير من قبل الرئيس الحريري وفريق عمله فتبين له أن الكلمة جاءت خالية من اي إشارة إلى الاتصالات الجارية في شأن ترشحه. 
وكذلك فإن الحريري سجل خلو خطاب الوزير جبران باسيل على طريق القصر الجمهوري من اي ذكر لتأييده في رئاسة الحكومة. 
وهذا يعني بحسب تفسير أحد رؤساء الكتل النيابية الأمر بأن عون ينتظر الحريري للإعلان عن تأييده وبالعكس فإن الحريري ينتظر موقفا إيجابيا من عون  وهذا دليل على أن الثقة بين الرجلين لم تتوطد بعد ولا زالت مفقودة وهي قيد الاختبار. 
وقد لا يكون الوقت المتبقي لموعد جلسة الانتخاب كافيا لاستعادة هذه الثقة المفقودة. 
وصحيح أن الحريري ألمح إلى تبني دعم عون لكنه في الوقت نفسه ينتظر منه أن يستكمل لقاءاته مع حلفائه والتفاهم مع الرئيس نبيه بري ومع المرشح للرئاسة سليمان فرنجية لاقناعه بالانسحاب لصالحه.
وعلى المستوى الخارجي فإنه حتى إذا وعد وزير الخارجية الروسي الرئيس الحريري بالطلب من إيران أن تبذل المساعي لدى حزب الله لتأمين انتخاب عون إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره ضغطا يمارس على الحزب وقيادته  وحتى لقاء الحريري مع وزير خارجية فرنسا فإنه لم يكن مثمرا إذ أن المسؤول الفرنسي صارحه بأن لا مجال لأي تجاوب إيراني لتسهيل انتخاب رئيس للبلاد. 
فكل الإشارات التي تنبعث من كواليس السياسة توحي بأن حزب الله لا زال سيد التعطيل من خلال تحريك حلفائه في هذا الاتجاه وأن الجلسة النيابية القادمة  لن تنتج رئيسا مع وقوف عون في منتصف الطريق بين قريطم وعين التينة وأن الأمور لا تزال تراوح مكانها.