مقابلة الجنرال ميشال عون الأخيرة على تلفزيون OTV وإطلالته عبر الشاشة الأحد الماضي في ذكرى 13 تشرين الأول أشارت إلى تغيرات مهمة طرأت عليه شكلا ولغة وأسلوبا.

الجنرال العنيف:

من المعروف عن العماد عون أنه إبن المؤسسة العسكرية اللبنانية التي لم ينس في يوم من الأيام هويته كضابط  فيها حتى في العمل السياسي، لذلك ممارسته للسياسة كانت من منظور عسكري عنيف الذي يوتر الحياة السياسية وتفاصيلها ويقبل بالنهاية بتسوية من هنا وهناك.
وطوال فترة تواجده في لبنان بعد العودة من المنفى في 2005 كان هدفه الأول سياسيا هو الرئيس سعد الحريري الذي يوحي إلى عقول ووعي المسيحيين " العونيين" أنه إبن سلالة أقوى حكام الطائف الذي  "سرق"  حقوق المسيحيين وأضعف دورهم في لبنان.
لم يوفر عون وحاشيته أي فرصة لإستهداف سعد الحريري وتيار المستقبل وإلتقت مصلحته مع حزب الله في 2011 لإسقاط حكومته وإدخال الحريرية السياسية في " كومة" يحاول اليوم الحريري إيقاظها.
عنف الجنرال طبيعي وعادي لمن يعرفه وزاد من منسوبه ما تشهده المنطقة من توتر وإقتتال سني- شيعي تطحن بالعباد والبلاد، وهذه هي اللعبة الخطيرة التي خاضها عون من خلال " التذاكي" بالمشاركة في حلف الأقليات بوجه البحر السني العربي في المنطقة، فإتهم الرئيس تمام سلام المعروف بإعتداله بأنه يمثل داعش السياسية في الحكم.
هذا " التذاكي" غير المسؤول يدفع ثمنه عون رفضا قاطعا من الشارع السني لوصوله إلى بعبدا وحكم  البلاد.
فذهب بعيدا في العداء مع السنة لدرجة " شيطنتهم" ما سبب نفور منه حتى من سنة 8 آذار الذين وصلوا إلى مستوى دقيق وصعب أن يتقبلوا هكذا خطاب ويبرروه في شارعهم.

 

 

ساعة التغيير:

هذا الخطاب العنيف لعون مرتبط في أحد جوانبه بالملف الرئاسي، فحلم عون الأبدي هو الرئاسة الأولى مهما كان الثمن.
مع نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، دخلت البلاد في شغور رئاسي حتى هذه الساعة وطرحت العديد من الإقتراحات للحل الرئاسي وقدمت سيناريوهات منها ما هو خيالي بعيد ومنها ما يلامس أرض الواقع.
وبعد فشل الدكتور سمير جعجع بإقناع حتى حلفائه بإيصاله للرئاسة، ذهبت خيارات الحريري إلى ميشال عون.
هذا حصل بعد سجل كبير من تبادل الإتهامات والتخوين بين فريقي عون والحريري التي كانت كفيلة بخلق حالة كره شديد في أوساط جماهيرهما.
لكن كل هذا السجل إختفى فجأة وتم التخلي عن  الكتاب العوني:" الإبراء المستحيل" ونظمت حفلات غزل ومديح وإحتفل بعيد ميلاد الجنرال في بيت الوسط.
وعندما تخلى الحريري عن عون عادت السمفونية الأولى وظهرت الإتهامات التي وصلت حد إتهام الحريرية ب " الداعشية السياسية".
توترت العلاقة بين الحريري وعون بعد ترشيح فرنجية وسوق التيار لدعاية مفادها " أن الموارنة يرفضون رئيسا يرشحه سني".
ووسط هذه السجالات الطائفية والمصيرية والميثاقية، مرت أشهر وعاد الحريري إلى المربع الثاني ، بإعتبار أن ترشيحه لجعجع كان المربع الأول.
فمد يده من جديد للعونيين وبات اليوم ترشيحه رسميا للجنرال  قاب قوسين أو أدنى.
قوبل هذا التقدم، تغييرا جوهريا في خطاب وسلوك عون، وبدأ الكلام عن المشاركة مع الطرف السني وذكر باسيل بثنائية رياض الصلح وبشارة الخوري التي ترمز إلى الثنائية السنية - المارونية التي حكمت لبنان قبل الطائف ووصف كلام السيد حسن نصر الله عن السعودية بأنه لا يمثلنا ولا يمثل سياسة لبنان الخارجية.

 

التغيير مسموح:

ليست المرة الأولى التي يتغير فيها عون، وليس عيبا أن يعدل سياسته ويفتح آفاق حلول جديدة، فهذا كله يفهم بالسياسة.
لكن هل يقبل ذلك حزب الله؟ 
من المؤكد أن حزب الله يدرس خياراته الرئاسية بروية وهو الذي يخوض معارك قوية في الإقليم العربي، وعلى ضوء هذه المعارك يحدد خياراته وخطواته.
فعند الحزب كل شيء مرتبط بأي تفصيل في المنطقة، بدءا مما يحصل بالموصل اليوم وصولا إلى الهدنة المرتقبة في حلب في 20 تشرين الأول.
لكن نفس الحزب بعدته وعديده وقوته يدرك حساسية الموقف اللبناني القائمة على معادلات دقيقة لا ينفع معها السلاح وهيبته في بعض الظروف.
وفي هذا الإطار، يهاب الحزب هذا التقارب بين عون والحريري ويهاب أكثر هذا التغيير المفاجىء  في الخطاب العوني خصوصا لجهة التقارب مع السعودية وهذا ما يلحظه المراقبون تغييرا بدأ يظهر في السياسة الإعلامية للتيار.

إقرأ أيضا : هل يقود بري 14 آذار وجعجع 8 آذار؟!


أضف أن حسابات ما قبل الطائف لا تعجب الحزب، فحزب الله الرافض لإتفاق الطائف لو خير بين هذا الإتفاق وحكم المارونية السياسية فسيختار الطائف.
لذلك، يراقب الحزب هذا التغيير في الخطاب العوني ولا يريد المبالغة في الحكم بل يترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي ليحكم لاحقا.
وثمة من بدأ يسأل داخل الدوائر المقربة للحزب عن ماهية التفاهم الذي عقد بين الحريري وعون.
وثمة أيضا من بدأ يقارن بين تصرف عون مع الحريري وتصرف فرنجية مع الأخير.
ففرنجية عندما قرر الإنفتاح على الحريري وضع مسبقا حزب الله في الأجواء ووضعه لاحقا بكل ما حصل أما عون فقد جرى تسريب الإتفاق والتفاهم إعلاميا، والتسريبات هذه تخيف الحزب وتقلقه.
لذلك، هناك حتى الآن ثابتتين  يعمل حزب الله على أساسهما  إتجاه عون، الأولى هي أن لا ضمانة حقيقية بأن يبقى عون متمسكا بإتفاق مار مخايل والثانية أنه يحاول تجنب الوصول إلى لحظة  الإختيار  بين عون وبري.
على أساس هذا، يحاول الحزب من خلال سلة الرئيس نبيه بري تكبيل طموحات عون في العهد الجديد.
لأن الحقيقة التي يراها حزب الله اليوم هي أن ميشال عون يتغير يوما بعد يوم كلما إقتربت ساعة الرئاسة.

 

بقلم رئيس التحرير