لا يختلف المشهد السياسي اللبناني عن مشهد ذلك الرجل الذي شوهد في ظلمة الليل بقرب عامود معلق فيه مصباح يضيء المكان وهو منكب على الأرض يبحث عن شيء ما. فاقترب منه شاب صادف مروره هناك بنية المساعدة وسأله ماذا تفعل؟ وعما تبحث؟ 
فأجابه الرجل أنه أضاع قطعة نقود معدنية ويبحث عنها. فأعاد الشاب السؤال مستفسرا وأين اضعتها؟ فأجابه الرجل اضعتها هناك وأشار بسبابته إلى مكان بعيد ويلفه الظلام، فقال له الشاب بلغة الاستهجان  ولكن إذا كنت قد اضعتها هناك فكيف تبحث عنها هنا؟ 
فرد الرجل ببساطة الغبي " هناك الظلمة تلف المكان ولا أستطيع أن أرى شيئا  أما هنا فالمكان مضاء بالنور الذي يشع من المصباح ".
وفي لبنان فإن كافة القوى السياسية والحزبية المعنية بالشأن الرئاسي تبحث عن مفتاح قصر الرئاسة في زوايا الاختلافات والنزاعات على الساحة الداخلية اللبنانية مع أن الجميع باتوا يدركون جيدا أن المفتاح موجود في مكان بعيد وتحديدا في العاصمة الإيرانية طهران، الذي تحتفظ به القيادة هناك في خزانة الولي الفقيه رافضة الإفراج  عنه إلى أن يحين زمن البازارات والمساومات والتسويات لملفات المنطقة بغية قبض الثمن المناسب والذي يرضي الجموح الإيراني من الراعي الأميركي الذي يدير لعبة الصراعات الدولية والإقليمية وخصوصا في دول الجوار المنغمسة بحروب مذهبية مدمرة تفتك بها وبشعوبها والمنهمك بانتخاباته  الرئاسية المقررة في الثامن من شهر تشرين الثاني القادم وعلى أن تتسلم الإدارة الجديدة مهامها في البيت الأبيض مطلع العام 2017. 
وإذا كانت عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت والجولات التي قام بها داخليا باتجاه معظم الأطراف اللبنانية وخارجيا بزيارته إلى روسيا والمملكة العربية السعوديه قد اشاعت جوا من الارتياح والتفاؤل بإمكانية وضع حد للشغور الرئاسي بعد تسريب معلومات عن مصادره بتفكيره جديا بدعم ترشيح زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون مع ما يترتب عن هذا الدعم من ثمن سياسي قد يدفعه الرئيس الحريري   إلا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وخلال خطابه الأخير في العاشر من محرم قد أعاد الملف الرئاسي إلى المربع الأول عندما وضع أمام العماد عون حصرية خيار التفاهم مع حليفيه الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية كمعبر إلزامي للاتفاق على انتخابه. 
وهذا يعني عدم قدرة العماد عون على الإلتزام بما أتفق عليه مع الحريري باعتبار أن مجرد قبوله الدخول في مفاوضات مع بري وفرنجية سيفضي إلى أن كل ما إلتزم به مع الرئيس الحريري سيذهب  أدراج رياح المفاوضات. 
وبالتالي فإن السيد نصر الله لم يفوته خلال الخطاب إياه سيل من الانتقادات اللاذعة والاتهامات المهينة التي  وجهها إلى السعودية  وهو ما يضاعف من صعوبة مهمة الحريري بتبني دعم عون  حيث يضعه بمواجهة الداعم الإقليمي وفي مواجهة شارعه وجزء من كتلته وتياره الأزرق. 
ووراء هذا كله عودة إلى مربع مجهول بعد أن خرج ضمنا من ترشيح فرنجية.
 كما أن هناك اتهاما جاهزا بانتظاره إذا لم يرشح عون بأنه كان يقوم بمناورة سياسية  وهذا سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر وإلى إتهام تيار المستقبل بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية وهو ما يسعى حزب الله إلى تحقيقه. 
وفي الوقائع فإنه لو أراد حزب الله فعلا إيصال العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة لكان اعتمد سياسة ملاقاة إيجابيات الحريري في منتصف الطريق لكنه عوض أن يفعل ذلك فإنه وضع كل ما يملك من عصي في دواليب عون وترك لحلفائه مهمة تعطيل انتخابه. من خلال سلة الرئيس بري وإصرار النائب سليمان فرنجية على المضي في ترشحه ولو بقي معه نائب واحد في البرلمان (حسب تعبيره ). 
لا شك أن حزب الله يجيد فن لعبة الهروب من تهمة التعطيل الرئاسي يساعده في ذلك غباء حليف يصر على أنه إما هو الرئيس او لا رئيس ومنظومة عسكرية كبيرة وكتلة نقدية ضخمة تؤهله لوضع اليد على أهم المفاصل الحساسة في البلد. 
واستطاع من خلالها تهريب مفتاح الملف الرئاسي إلى طهران وتسليمه للقيادة الإيرانية التي احتفظت به كورقة للمساومة عندما يأتي زمن المفاوضات على ملفات المنطقة  فيما الأطراف اللبنانية تبحث عنه في ركام الخلافات الداخلية.
 تماما كالرجل الذي أضاع قطعة النقود في مكان وراح يبحث عنها في مكان آخر.