تسارعت التطورات على خط الرئاسة في الساعات الماضية. بدا ان رئيس تيّار "المستقبل" النائب سعد الحريري يستعد لرمي كرة انتخاب الرئيس في ملعب "حزب الله". هو أوحى للتيار "الوطني الحر" أنه إتخذ قراره بتبني ترشيح رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة، ويحضّر لإطلالة إعلامية لإعلان الترشيح. يُحكى أن الحريري بقي في الساعات الماضية على تواصل مع رئيس التيّار "الوطني الحر" وزير الخارجيّة جبران باسيل وتابع حلقة الأخير التلفزيونية والى جانبه مدير مكتبه نادر الحريري الذي وصل الى باريس قادماً من بيروت أثناء بثّ الحلقة، فبقيا على اتصال مع باسيل خلال الفواصل الإعلانية.

حتى الساعة، لا يريد العونيون ان يقتنعوا نهائياً بإلتزام "الشيخ سعد" من دون اعلان وترجمة عملية، رغم كل التصرفات التي يقوم بها الحريري والمودة التي يُظهرها لباسيل. لقد علّمت التجربة العونيين ان "ما تقول فول تا يصير بالمكيول". أبعد من ذلك، حاول الحريري طمأنة التيار بأن رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط "سيمشي معنا بتبني الجنرال". أوحت تغريدات "البيك" بذلك. ربما يكون جنبلاط يخشى من تهديدات "الوطني الحر" المبطّنة بمحاسبة الاشتراكيين في انتخابات الشوف، أو يسعى جنبلاط لإبعاد رئيس حزب "التوحيد" الوزير السابق وئام وهاب عن الواجهة السياسية ضمن صفقة مع عون، بعد تلويح وهاب بورقة "سرايا التوحيد" في الجبل. كلها مسائل ممكنة في حسابات السياسة اللبنانية. لكن يبدو ان تبنّي الترشيح لا يعني الانتخاب. كيف ذلك؟

سيبقى رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية مرشحاً للرئاسة. سيمضي الجميع الى حضور جلسة 31 تشرين الأوّل الجاري. سيتنافس عون وفرنجية. من يضمن حينها ألاّ يأتي زعيم "المردة" رئيساً؟

هل سيعطي نواب "المستقبل" جميعهم اصواتهم للجنرال؟ هل سيمضي جنبلاط فعلاً بخيار يُغضب رئيس مجلس النواب نبيه بري؟

اتصالات حصلت في الساعات الماضية أوحت بثابتة: الحريري وجنبلاط لن يمضيا في خيار من دون التنسيق مع بري. هذا ما أكّده الفريقان.  فهل هناك قطبة مخفية من ضمن تسوية تتيح وصول أحد المرشحين عون او فرنجية بفارق ضئيل جداً ويقول بعدها "الشيخ سعد" و"وليد بك" للخاسر: ها قد حاولنا ولم نُوفَّق، لقد خذلنا بعض نوابنا وانضموا الى التصويت لصالح فرنجية مع كتلة "التنمية والتحرير" وآخرين أمثال: كتلة نجيب ميقاتي و"البعث" و"القومي" ووزير الاتصالات النائب بطرس حرب والنواب فريد مكاري وميشال المر وطلال إرسلان ودوري شمعون...

المشكلة الأبرز: هل سيذهب "حزب الله" الى ترجمة خياره بإنتخاب عون من دون التنسيق مع "حركة امل"؟

أوحت مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الماضية ان الأجواء مشحونة جداً عند جمهور "أمل" وقابلة للانفجار. ومن يتابع هذه المواقع يُدرك أن هناك أزمة مقبلة على الصعيد الشيعي لن تقدر على ضبطها القيادات في الطرفين.

هل كان بري ليذهب الى خيار رئاسي بمعزل عن رأي الحزب؟ يحسم الحركيّون في تغريداتهم الأمر، بأن الحركة لا تختار فعلياً من لا يناسب حزب الله. يطرحون أمثلة: هل كان بري سيذهب الى تبني ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانيّة" سمير جعجع، أو أي إسم آخر لا يحبّذه الحزب؟ قطعاً، لا. 

ماذا سيختار الحزب هنا: شرخاً شيعياً مفتوحاً يوتّر الساحة الداخلية في حال ترجم خياره بإنتخاب "الجنرال" مهما يكن، أم يضع حداً لمشروع الأزمة الشيعية ويتصرف بما يمليه التزامه بالحلف المتين مع "أمل"؟

سؤال سيتحدد على أساس جوابه ما هو آتٍ من وقائع المرحلة المقبلة التي لن تقتصر أزمتها على حدود الطائفة الشيعية. الاحتقان يزداد، رغم دقّة كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله: اذهبوا للتفاهم مع بري وفرنجية. يعلم السيد نصرالله ان اختيار عون من دون رضى حركة "امل" و"المردة" يعني أزمة كبيرة وفرزًا خطيرًا في جمهور المقاومة. قد يولِّد تداعيات في الشارع كما بيّنت تغريدات مواقع التواصل الاجتماعي. قد يكون الحريري يسعى لاستغلال تلك الأزمة التي تمنع "حزب الله" من الاقدام على خطوة مربكة جداً للواقع الشيعي، لرمي الكرة في ملعب غيره. فليتحمل بالنسبة اليه "حزب الله" وحركة "امل" مسؤولية الاستمرار في الشغور الرئاسي، بدل أن يتحمّلها التيار الأزرق وحده. هذا الكلام التبريري للحريري لم يقنع سابقاً قيادات في "المستقبل"، فلم يستسغ لا رئيس كتلة "المستقبل" النيابيّة فؤاد السنيورة ولا ابرز المقربين للحريري مستشاره باسم السبع ولا آخرون السيناريو المطروح. هم لا يحبّذون تبني ترشيح عون. لكن "الشيخ سعد" ومدير مكتبه نادر الحريري وحدهما يحيكان ويقرران ويتواصلان ويطلعان كتلة "المستقبل" على ما يجب فعله. كل تصرفات الحريري تنطلق من واقع ضرورة عودته لرئاسة الحكومة. هذا هو الهدف الذي يملي عنده حياكة التسويات المعلومة والمخفية. وهذا حقه في اللعبة السياسية.