ليست هي المرة الاولى التي تندلع فيها النقاشات الحادة والحامية حول مسألة التطبير والجدال على حليته او حرمته، فهذا نقاش قديم جدا ويتجدد في كل عام وتنقسم حوله جماهير الشيعة وعوامها، ويلتجىء كل مجموعة منهما لتصطف خلف واحد من مراجع التقليد عندهم، ولا يتوقف هذا الجدال الا بعد العاشر من المحرم في كل عام ليعود من جديد في العام القادم .
الملفت في هذا العام ان النقاشات والانقسامات حول موضوع التطبير لم يختصر ضمن نفس الفعل، بل تخطاه الى ما هو ابعد بكثير من مسألة مجرد ضرب الرؤوس ونزف دمائها كتعبير عن الاستعداد للتضحية ولإعلان الولاء للامام الحسين بحسب دعوى المطبرين.
وقبل انتهاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ونزوله عن المنبر في الليلة العاشورائية التاسعة التي شن فيها هجوما صارخا على التطبير والمطبرين حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ليس في لبنان فقط بل على امتداد عالم التواجد الشيعي في العراق وايران وباكستان والهند وغيرها 
ولأن السيد نصر الله بموقفه التهجمي على المطبرين لم يكتف بالنقد التقليدي عن حرمة إذاء النفس او تشويه صورة المذهب او اعتبارها بدعة دخيلة على الشعائر الحسينية، وما الى هنالك من ذرائع يتبناها من يتهجم ويحارب فكرة التطبير، بل تخطى السيد كل هذا وذاك باتهام المطبرين وتقريعهم بالجبن والفرار من ميادين القتال والتخاذل بالدفاع عن مقامات اهل البيت وحتى بالدفاع والذود عن الشيعة والتشيع، محتكرا لنفسه ولحزبه هذه "الفضيلة"  فقط دون اي احد !
 رد المطبرين العراقيين قد انقسم الى مسارين، واحد من هذه المسارات كان التأكيد بأن ساحات الحروب العراقية وجبهات المعارك مملوءة بالمطبرين وبالصفوف الامامية، مدعوما هذا الرد بالكثير من الصور والادلة واسماء الشهداء من اجل دحض  ادعاءات السيد، مع التأكيد من جهة اخرى على ردود تتحدى السيد الذي طالب بهجومه على الاتيان برواية واحدة عن اهل البيت تدعم قضية التطبير حتى وصل الامر ببعض الكتاب العراقيين باتهام السيد بالجهل وعدم الاطلاع، بعد ذكره لمصادر اكثر من رواية من كتاب الكافي وبحار الانوار .

اما في لبنان، فان من المعروف ان معظم المطبرين هم من جمهور حركة امل وانصارها، فان الرد المفاجئ كان عبر الافصاح العلني هذه المرة بالموقف المبدئي من الحرب في سوريا، رافضين مقولة ان حزب الله موجود هناك للدفاع عن مقام السيدة زينب عليها السلام، والتشكيك بأصل شرعية مشاركة مقاتلي الحزب الى جانب نظام بشار الاسد، هذا الافصاح من جماهير حركة امل الواسع ولاول مرة منذ بداية الحرب السورية وصعوده الى العلن بعد ان كان حبيس الغرف والسهرات، مع التأكيد ان عدم مشاركة هذه الجماهير ليس جبنا ولا فرارا وهم انفسهم الذين انقضوا على الدبابات الاسرائيلية واحرقوها ومزقوها بسيوف التطبير في النبطية، وانما باعتبار هذه الحرب لا تنسجم مع الوجدان الشيعي الحسيني بالوقوف مع نظام ظالم ومحاربة شعب مظلوم .
لطالما عملت الدعاية الحزبية التابعة لحزب الله، من اجل تظهير الموقف الشيعي في لبنان وكأنه موقف جامع للاغلبية الساحقة في الطائفة الشيعية بتبني وجهة نظرهم، ( مع محاولات حثيثة من قبلها لزج الحركة وكأنها تشارك معهم بقتال الشعب السوري، مرة عبر تسريب بعض الصور الحركية من الميدان، ومرة عبر الاعلان عن اسم شهيد حركي والترويج بانه استشهد بسوريا )،  وان المعترضين على دخوله الحرب هناك انما تقتصر على بعض الاصوات فقط، لتأتي حرب التطبير بعد اكثر من خمس سنوات لتفضح كل ادعاءات الحزب.
 فهل يكون هجوم السيد نصرالله على التطبير بداية التحول في المزاج الشيعي وبداية رفع الاصوات اكثر فأكثر لرفض هذا التدخل وبداية تشكل رأي عام شيعي يقول للحزب كفى هدرا لارواح شبابنا على مذبح بشار الاسد ؟؟ آمل ذلك.