كاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه المباشر ليلة التاسع من عاشوراء، يطلب صراحة من التيار العوني ومن تيار المستقبل التوافق مع الرئيس نبيه بري على بقائه في الرئاسة الثانية، كجزء من التفاهم الذي يعملان عليه حاليا، والذي يبدأ، وربما ينتهي ايضا ، بتوزيع الرئاستين الاولى والثالثة بينهما.
لم يعد سراً ان الرئيس بري ومعه النائب وليد جنبلاط هما المعارضان الابرز لوصول العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى، لكن حصر هذا الاعتراض بان عون لم يتواصل معهما ولم يطمئنهما الى مستقبلهما السياسي، فيه بعض الافتئات على الرجلين اللذين انضم اليهما كثيرون في الخوف من وصول الجنرال الى قصر بعبدا، واللذين يتمتعان بالقدرة الى التعطيل في البرلمان وفي الشارع، وبالتالي على انتزاع حصصهما وحقوقهما ولو بالقوة.
في سجل الرجلين وفي سيرتهما الكثير من التناقضات مع الجنرال الذي شتمهما اكثر من مرة وتحداهما اكثر من مرة وهو يضمر إنهاءهما من الحياة السياسية. ولعل هذا هو دافعهما الاول للاعتراض الفعلي على نظرية "الرئيس الماروني القوي"، فضلا عن اعتراضات جوهرية منها ان مثل هذا الرئيس لم يعد له سند على أرض الواقع السياسي المحلي، لا من منظور الطائفة المارونية ولا الجماعة المسيحية، وهو سيكون في أحسن الاحوال رهينة ، او حتى دمية، كسواه كثيرين ممن سبقوه في خلال الحرب الاهلية وبعدها.
لم يوح الجنرال حتى الان انه سيكون نقيضا لهذه الفرضية، ولم يلمح الى انه سيكون رمز المصالحة الوطنية. المرجح انه سيعبر عن "قوته" الافتراضية بالدعوة الى تعديل الدستور ، أي الى إستفزاز السنة والشيعة والدروز على حد سواء. والمؤكد انه سيترجم "قوته" الافتراضية أيضاً الى مواقف علنية صريحة وصادمة من الصراعات الاقليمية، ومن الازمة في سوريا.. يمكن ان تكلف لبنان الكثير ، في أمنه وإقتصاده وإجتماعه أيضاً.
لا حاجة بلبنان الان وفي هذه المرحلة بالذات الى رئيس يدعي مثل هذه القوة. ثمة تطرف يزعم ان لبنان ليس بحاجة الى رئيس للجمهورية. فقد ثبت ان العيش في فراغ رئاسي ممكن .. وهو في الاصل فراغ ممتد منذ العام 1982، الا اذا كان المطلوب هو التسليم بشرعية الرؤساء الذين اختارهم الاسرائيليون او السوريون، على مدى السنوات ال34 الماضية، والذين لم تكن لأي منهم علامة فارقة في تاريخ لبنان الحديث، ولم يترك أي منهم أثراً لا ينسى.
 
اما الحجة التي تساق للخروج من الفراغ الرئاسي وتنسب الى  الرئيس سعد الحريري توقه الشديد وحاجته الماسة للعودة الى رئاسة الحكومة، فهي  تهدف الى الاضرار به اكثر مما تتطلع الى تعويضه.. الذي يمكن ان يجري اذا ما كان خارج السلطة عندما تجري الانتخابات النيابية العتيدة، اكثر  مما يمكن ان يتم اذا كان مقيماً في السراي الحكومي، وتحت رئاسة ورقابة وعناية الجنرال عون وحلفائه.
الفراغ الرئاسي هو أصل النقاش وفرعه. أثبتت تجربة السنتين الماضيتين ان المحاولات التي جرت لسده كانت عقيمة، لا لخطأ في الاسلوب ، بل لخلل في المضمون. هي مشكلة مارونية، ومعضلة مسيحية. من هنا يبدأ البحث عن الرئيس الجديد. الطائفة معنية ومسؤولة الان أكثر من أي وقت مضى عن تقديمه الى الطوائف الاخرى التي لم تفلح في الاتفاق على واحد من الاربعة الاقوياء.
ثمة آليات عديدة يمكن اعتمادها للبحث عن ذاك المرشح-المعين للرئاسة الاولى. ثمة أفكار متنوعة طرحت في مستهل أزمة الفراغ الرئاسي. استكشافها أفضل من توسل المنصب من المسلمين، الذين لم يغادروا ثقافة الحرب الاهلية مثلهم تماما مثل المسيحيين الذين يلوحون أيضاً بالقوة وأسبابها ومبرراتها. وهذا هو الدرس الأهم من معركة رئاسة الجمهورية الاولى من نوعها من دون تدخل إسرائيلي او سوري، أو صيني..