لا تزيدها فتاوى التحريم الاّ إصراراً على التطبير في العاشر من محرم لا باعتباره عادة بل كونه عبادة بدأتها السيّدة زينب (ع) عندما فجت رأسها وهي على الهودج كما تقول السيرة المختصة بالشعائر الحسينية واستحببها بعض الفقهاء وأوجبها البعض منهم كتعبير أعلى عن مواساة الامام الحسين في مصابه الجلل . بعد أن انتشرت عادة التطبير بالنسبة للبعض أو عبادتها بالنسبة للبعض الآخر وأصبحت ظاهرة تعم الحضور الشيعي وعكست صورتها المرعبة مظاهر مسيئة بالنسبة للكارهين لمثل هذه الشعيرة الكربلائية. أفتى مفتون من الفقهاء بحرمة التطبير الاّ أن ذلك قد زاد من حماسة الدماء في رؤوس "الضريبة " وأصبحت عبادة لا يتخلى عنها حتى ممن لا يقومون بالواجبات التي فرضها الله على عباده . بين الدعوة الى افتداء الامام الحسين (ع) في حلب وبين افتدائه في مجالس المدن والبلدات الشيعية ثمّة خلاف في الوعي لكيفية إحياء المراسم وتوظيف أفعال حيث يجب كما هو حال دعوة السيد حسن نصر الله الى توفير الانفعال الحسيني في الدفاع عن المقدسات الشيعية في سورية لا في الشوارع بهدر الدماء على الأرض التي لم يستجب لها المغالون في التواصل مع الحدث التاريخي الكبير . وحدها حركة أمل لا تكبح جموح حركييها في التعاطي مع التطبير ولا تواجه جمهورها الواسع والكبير في عبادة الألم الحسيني والتواسي مع أهل البيت (ع) من طرق التفجع في الفجيعة وهي بذلك ترضى بما ارتضاه الناس لأنفسهم من إظهار عواطفهم مع المناسبة وبالطريقة التي أحلها فقهاء وأوجبتها العادة الشيعية منذ القدم والتي أسست لرد فعل كبير كان له الأثر البالغ في قيام المقاومة ضدّ الاحتلال عندما انتفضت ساحة عاشوراء في النبطية بوجه الاحتلال الاسرائيلي من خلال الضريبة الذين رفعوا سيوفهم وشهروا دماءهم بوجه الجنود اليهود وكانت بداية مرحلة حسينية بجهود من طبّر لا من لبس السواد واكتفى بالبكاء . هذا التباين القديم الجديد بين الحزبين الشيعيين يتسع لصالح شعيرة التطبير وعند كل دعوة تحريم للتطبير تزداد أعداد القائمين بالتطبير كرد عنيف منهم على التحريم الذي يعتبرونه سياسياً أكثر منه شرعياً . يبدو أن مواجهة التطبير في الحرمة الشرعية أو في الموقف السياسي سيدفع بالظاهرة الى الأمام لذا لا بد من التعاطي معها من ضمن المتفق عليهم في لائحة التفاهم القائم بين حزب الله وحركة أمل وهذا ما يضمن التخفيف شيئاً فشيئاً من ظاهرة المستشرية خاصة وأن هناك من أطلق العنان للدعوات المذهبية المتطرفة والتي توجب كل غلو في الشعائر المذهبية كما هي دعوة الشيرازيين الذين دخلوا من جديد الساحات الشيعية من أبواب الفتنة المذهبية القائمة بين السنة والشيعة على خلفية الصراعات السياسية القائمة في المنطقة.