مع الهزة التي أحدثتها جولة الرئيس سعد الحريري على الساحة الداخلية باتجاه مختلف القوى السياسية والحزبية مستثنيا حزب الله وزيارته لروسيا والمملكة العربية السعودية.

 استطاع  من خلالها تحريك المياه الراكدة للواقع السياسي باختراقه جدار الملف الرئاسي المعطل منذ ما يزيد على ثمانية وعشرين شهرا بسبب إصرار حزب الله على فرض خياراته على البلد بترشيحه زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون إلا أنه حتى اللحظة لا يبدو في الأفق ما يشير إلى بارقة امل باحتمال إنجاز الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور لا  سيما  أن حزب الله لا زال الطرف الأقوى الذي يمتلك المفاصل الوازنة في اللعبة السياسية الداخلية. 

فالرئيس الحريري لم يستطع رمي كرة التعطيل في ملعب حزب الله رغم تلويحه بإمكانية السير بخيار تبني ترشيح العماد عون للرئاسة ولم يتمكن من حشر الحزب في زاوية رفضه لانتخاب الرئيس  إذ أن الحزب يختبأ خلف المتراس الأخير باشتراطه أن يخرج الحريري بالصوت والصورة ويعلن على الملأ تأييده لترشيح عون كي يبدأ هو بالعمل مع حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لإتمام نصاب جلسة الانتخاب المقررة أواخر الشهر الجاري. 

وفي سياق متصل فإنه على الرغم من مرور أشهر طويلة على سحب ترشيح  رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للرئاسة وتبنيه ترشيح عون  إلا أن حظوظ الأخير لم تتحسن قيد أنملة إلا بعد إعلان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري أنه على استعداد لتوسيع خياراته الرئاسية بالإقدام على اتخاذ مبادرة بإمكانية تبني ترشيح العماد عون ، مع أن هذه المبادرة لا يمكن أن تؤتي ثمارها أو تحقق اي نتائج ملموسة على الأرض ما لم تكن نتيجة إتفاق سني - شيعي يتم بين كل من حزب الله وحركة أمل في جانب وتيار المستقبل في الجانب الآخر بالمشاركة مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط المتموضع على تقاطع سعد الحريري - نبيه بري بما لا يزعج حزب الله وخياراته الإستراتيجية على المستوى اللبناني.

 وهذا يدحض النظرية القائلة أن اتفاق الثنائية المسيحية: التيار الوطني الحر - القوات اللبنانية  كفيل بإقامة التوازن الوطني مع الثنائية الشيعية : أمل - حزب الله  ومع المرجعية السياسية السنية و المرجعية الدرزية.

 ذلك أن التطورات الميدانية أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك أن طريق عون إلى القصر الرئاسي في بعبدا يمر حكما بثمن سياسي كبير على الطائفة المسيحية تسديده للمرجعيات السنية والشيعية والدرزية سواء كان ذلك تحت مسمى السلة او التفاهم الوطني او التوافق السياسي او أي مسمى آخر. 

في ظل هذا الارباك السياسي الداخلي فإن حزب الله يلتزم الصمت ويقف خلف سلة الرئيس بري التي تشكل حاجزا قويا أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي. بدليل أن ما صدر عن بكركي ورد فعل الزعماء المسلمين دليل على أن الأمور لم تحسم بعد  وأن ما يسعى إليه الثلاثي بري - الحريري - جنبلاط من تكبيل للرئاسة في حال تم إنجازها يصطدم بجدار مسيحي يحول دون ترجمته على أرض الواقع. خصوصا أن العماد عون المرتبط بورقة تفاهم مع حزب الله تتجاوز الدستور في تغطية السلاح الغير شرعي بات على مقربة من ورقة تفاهم مع تيار المستقبل للسير بترشيحه وتتجاوز المسار الدستوري الطبيعي في شأن رئاسة الحكومة وإدارة شؤون الدولة. 

وعليه جاء النداء الأخير لبكركي معتبرا أن رئيس الجمهورية لكي يقوم بمهمته الوطنية العليا ينبغي أن يكون حرا من كل قيد ومن أي التزام مسبق. 

وعليه فإن حزب الله الذي استطاع أن يدخل البلد في هذا الفراغ الرئاسي من خلال إصراره على فرض العماد ميشال عون كمرشح أوحد للرئاسة رغم أنه لم يقدم على اي خطوة من شأنها تحقيق هذا الخيار، فإنه اليوم يتابع مسيرة التعطيل باحراجه الرئيس الحريري بتبني ترشيح عون في العلن وبالوقوف خلف سلة الرئيس بري المتحالف مع جنبلاط والتي ترفضها كافة القوى المسيحية بمن فيهم عون إضافة إلى بكركي.

 من هنا فإنه حتى  هذه اللحظة ، الرئيس الحريري عاجز عن رمي كرة التعطيل في ملعب حزب الله وربما يتطلب الأمر مزيدا من الجولات واللقاءات والزيارات الخارجية لدول من المفترض أنها معنية بالشأن اللبناني.