إطلالة الجنرال ميشال عون الأخيرة عبر قناة OTV  كانت  مختلفة عن ما عهدناه  من الجنرال، فكان هادئا ومتماسكا وحذرا في إختيار كلماته وتوجيه رسائله وحريصا على عدم إستفزاز جمهور سعد الحريري.

بري يرفض عون:

هذا الهدوء وصفه مراقبون بأنه حاجة ضرورية لعون في الوقت الحالي ومن المتوقع أن يسري على ما سيقوله عون في 13 تشرين الأول في حال لم يحصل أي طارىء.
لكن على الرغم من الهدوء الذي يبديه عون ، يصر الرئيس  نبيه بري على مطلبه الأساسي بالإتفاق على السلة الكاملة كشرط تعجيزي للقبول بعون.
ولم يستطع  بري حتى هذه  اللحظة أن ينشأ شبكة متينة من العلاقات مع عون تؤسس لمشروع مشترك كونهما نقيضان لبعضهما البعض.
يرى نبيه بري بميشال عون خطرا على إتفاق الطائف والإمتيازات التي حصلت الطوائف الإسلامية  عليها لكنه يؤمن بأن الطائف لم يكن مجحفا بحق المسيحيين كما يروج التيار الوطني الحر.
فلو توفرت الإرادة الحقيقية لتطبيق الطائف سيكون أفضل الموجود بالنسبة للمسيحيين.
لذلك يعتقد بري أن عون خطر على ماهية وفلسفة النظام اللبناني وعلى آخر وثيقة سياسية في هذا الشرق تعطي المسيحيين مكاسب قوية في شكل النظام والدولة.
فما هي الضمانات التي سيقدمها عون لو أطيح بالطائف لحماية حقوق المسيحيين؟ وهل المثالثة بديل أفضل من المناصفة المعمول بها حاليا؟
أي تعديل للدستور بالوقت الحالي هو قفزة بالمجهول وسيدفع المسيحيون ثمنها وسط الصراع الطائفي الذي تعيشه المنطقة.
قد تكون حسابات الجنرال مختلفة فهو يلحظ بأن  وصوله لبعبدا هو أول الدرب لإسترجاع حقوق المسيحيين بينما بري يرى في ذلك تهديد حقيقي لمصالح النظام اللبناني.
ومن هنا يتمسك بري بالسلة لضبط أداء  أي رئيس يأتي في المستقبل ليكفل حماية أسس النظام.

إقرأ أيضا : الحريري يراوح مكانه

بري ضد من ومع من ؟

يحلو لبعض المثاليين في لبنان تصوير المعركة الرئاسية بأنها لعبة محلية عرابها الرئيس نبيه بري.
فلا يوجد أدنى شك بأن الملف الرئاسي مرتبط بالقضية السورية وبالأخص ما تشهده مدينة حلب. 
وهذه نقطة مهمة للقول أن من يريد الوصول لقصر بعبدا عليه أن يستشعر تغيرات إقليمية لصالحه.
ولو أن الملف الرئاسي منعزل عن الإقليم فلماذا زار سعد الحريري روسيا والسعودية؟
وعندما تتفق دول أصحاب القرار على الملف الرئاسي سينتخب رئيس في اليوم  الثاني سواء عون أو غيره وسيكون بري متماشيا مع هذه الأجواء.
علما أنه حتى على المستوى المحلي لم تختمر بعد فكرة تبني ترشيح الجنرال من كافة الأطراف اللبنانية بل إن معظمهم رافضون أو متحفظون على الطرح كما عبر بري.
فالذهاب بعيدا في رفض عون من قبل بري لا يمكن أن يكون قرارا ذاتيا دون التنسيق مع بعض الحلفاء المحليين والإقليميين ولا يمكن لبري أن يضع نفسه في  زاوية ضد كل العالم.
حزب الله وعلى الرغم من الرسائل الإعلامية عبر بعض الصحف والموجهة ضد بري يدرك أن لا مجال للذهاب أيضا بعيدا في إستفزاز بري ويحرص عند نقطة معينة للتأقلم الإجباري والقبول بكل ما يقدمه الأخير.
ضمن نفس السياق، يرى محللون للوضع الرئاسي اللبناني أن الطبخة الرئاسية سلمها حزب الله لبري وهو راض عن أدائه أما آخرون فيرون أن بري يمتلك مفاتيح اللعبة الرئاسية وحزب الله يرضخ له لذلك يوجه له بعض الرسائل الإعلامية بين الحين والآخر لإحراجه.
وسط هذه الآراء  من المضحك القول أن نبيه بري بخوضه معركة ضد عون إنما يخوض معركة 14 آذار ضد حزب الله وسوريا وإيران فلا شيء يشير لذلك. ولو سلمنا جدلا أن بري يخوض معركة الآخرين ضد حزب الله في الملف الرئاسي من خلال عدم تبنيه لعون، فهل القوات اللبنانية التي تبنت عون أصبحت تحارب لصالح حزب الله وداعميه مثلا؟ وهل إستلمت القوات قيادة معسكر 8 آذار؟
بالطبع لاء ، فوصول ميشال عون أو عدمه للرئاسة الأولى ووضعه كمعيار لتحديد العلاقة بين حزب الله والرئيس بري لا يؤسس عليه إستراتيجيا.
وتبقى لبري خصوصيته وهواجسه الخاصة من ميشال عون والذي يشاركه فيها قوى من 8 و 14 آذار   التي يعبر عنها رفضا لإنتخاب عون وتمسكا بالسلة.
ولو إفترضنا للمرة الألف أن الملف الرئاسي في لبنان هو محلي فعلى من يريد إنتخاب عون طمأنة الرئيس بري وإزالة هواجسه أولا. 

بقلم  رئيس التحرير