النتيجة التي سينتهي إليها "الكباش" القوي بين أميركا وروسيا بسبب سوريا وخلافات مهمة بينهما في العالم هي التي ستحدّد إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين الذكي والصلب والعنيد مغامراً وتكتياً أم "حيسوباً" واستراتيجياً. والتوصّل اليها لا يبدو سريعاً. لكن ما تجدر الإشارة اليه هنا هو أن الزعيم الروسي يتصرّف ومنذ انهيار الاتفاق الأخير لوقف إطلاق النار والعمليات العدائية في سوريا الذي وقّعه وزير خارجيته ووزير خارجية الرئيس الأميركي، بل منذ وقف الاتصال بينهما حول هذا الأمر بمبادرة من واشنطن، ما تجدر الإشارة إليه هو أن بوتين يستعد وكأن المنازلة العسكرية بين بلاده وأميركا ستتم داخل سوريا واستطراداً في البحر الأبيض المتوسط. إذ زاد من نشر صواريخ أرض - جو 300 و400 وأرسل سفينتين حربيتين إلى المنطقة. في حين أن المعلومات المتوافرة من متابعين جديين في واشنطن تؤكد أن تدخلاً عسكرياً أميركياً واسعاً في سوريا لن يحصل على الأقل في ما تبقّى من ولاية الرئيس أوباما، وأن اشتباكاً عسكرياً أميركياً - روسياً في سوريا أو المناطق المجاورة لها براً وبحراً لن يقع، وأن الاستعدادات الروسية لمواجهته فيها الكثير من البروباغندا ومحاولة شدّ عصب الجهات الاقليمية المعتمدة على موسكو. علماً أن على الذين يشددون يومياً على أن روسيا لن تتخلى عن دورها في سوريا قبل استئصال الإرهابيين الاسلاميين كما فعلت في الشيشان، أي بعد تدمير العاصمة غروزني ومناطق عدة فيها، أن ينتبهوا الى أن النجاح هناك تحقّق لأن روسيا دولة كبرى ولأن المحيط البشري الكبير للشيشان مسيحي. في حين أن النجاح النهائي للأسد وحلفائه بمساعدة روسيا ليس بسهولة الانتصار في الشيشان، لأن محيط نظام الأسد في سوريا وفي المنطقة كلها إسلامي سنّي غير متعاطف معه.
الى ماذا تشير المعلومات المتوافرة عند المتابعين أنفسهم التي ورد بعضها على بيروت في الـ48 ساعة الأخيرة.
تشير أولاً الى تردٍّ كبير في العلاقة بين أميركا وروسيا وقد ينذر بكارثة رهيبة، وذلك خلافاً لعدد من المظاهر مثل الاتصالات الهاتفية المتقطعة بين كيري ولافروف. وتشير ثانياً الى أن الدولتين دخلتا عملياً حرباً باردة، وإلى أن ذلك سيؤثر من دون أدنى شك على الولايات المتحدة في كل ما تعمله ليس في سوريا فقط بل في الشرق الأوسط كله ومعه العالم الأوسع. وتشير ثالثاً الى أن بوتين سمح بواسطة تعليمات وتوجيهات معيّنة بإظهار استعداده لاستعمال صواريخه النووية في حال وجد أن التهديد الأميركي بدأ يطال بلاده مباشرة. وما يخشاه المتابعون هنا هو تنفيذ بوتين سيناريو يقدم على اجتياح أو غزو واحدة من دول البلطيق بقوات روسية، وعلى دفع "حلف شمال الأطلسي" الى اتخاذ قرار بتحريرها، وعلى التذرّع بذلك لإعلان أن بلاده مهدّدة ولاستعمال صواريخ نووية تكتية صغيرة. ويعني ذلك، استناداً الى عدد من التقارير، أنه قد يستهدف منشأة حيوية بعيدة في مكان ما من أوروبا أو مطاراً اقتناعاً منه بأن ذلك سيدفع "الحلف" أو سيجبره على البحث عن حل سياسي للأزمة. لكن إقدام الزعيم الروسي على تنفيذ سيناريو كهذا سيظهر أنه مخطئ جداً، إذ تحلّق حالياً قاذفات حربية محمّلة بالصواريخ قريباً من مجموعة أهداف في روسيا وذلك بقصد توجيه إنذار الى موسكو جوهره أن اللعب مع أميركا سيكون مكلفاً جداً. كما أن سباق تسلّح جدي قد بدأته واشنطن مع موسكو، وبوتين لن يستطيع الفوز فيه لأنه لا يمتلك البنية التحتية الصناعية اللازمة والتمويل الضروري لمواجهة التحدي الأميركي. ويعلم الجميع، يلفت المتابعون أنفسهم، أو يتذكّرون أن سباق التسلّح في ثمانينات القرن الماضي هو الذي أنهى الاتحاد السوفياتي. والآن ينصب الأميركيون "الفخ" نفسه أو الكمين نفسه لبوتين. فضلاً عن أن واشنطن غاضبة جداً على موسكو جرّاء محاولتها اختراق الحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديموقراطي الأميركي، وسيرى بوتين قريباً ربما رداً عملياً على ذلك. إلّا أن ما يزعج هؤلاء على حد قولهم أو بالأحرى يقلقهم هو اقتناعهم بأن قيصر روسيا بوتين "غير مستقر" (Unstable)، وبأنه يغامر لعجزنا في رأيه عن القيام بأي ردّ فعل على استفزازاته في أثناء انتخاباتنا الرئاسية. وهو بذلك يخطئ كثيراً.
ماذا عن سوريا وكيري ولافروف ووقف إطلاق النار الفاشل ومعه وقف الاتصال الروسي – الأميركي حول سوريا؟