ارتفعت الرايات السود حاملة العبارات العاشورائية على أغلب السطوح والأعمدة واليافطات الحسينية تم تعليقها في الأسواق والشوارع والاحياء ومكبرات الصوت علت بعض السيارات تهدر بالاناشيد واللطميات الكربلائية. 
الحسينيات تم تحضيرها لإقامة المجالس وأعلام حزب الله وحركة أمل تبدو طاغية على كل تفاصيل المشهد. 
كافة الأجواء تؤكد على أننا دخلنا أيام عاشوراء التي تمتد لأيام عشرة او ثلاثة عشرة أو لأربعين يوما حسب المكان والظرف الذي يحدد عدد هذه الأيام لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع ) مع ممارسات واضحة لحصر سيد الشهداء في الطائفة الشيعية دون غيرها.
 حتى أن بعض الجهات الحزبية تحاول احتكار المناسبة بمزيد من المظاهر الفولكلورية دون التركيز على مضمون الثورة الحسينية لدرجة تم افراغها من معانيها السامية والأهداف التي دعت الإمام الحسين (ع) للخروج طلبا للإصلاح في أمة جده محمد (ص ) عندما أطلق صرخته المدوية والتي لا تزال اصداؤها تتردد حتى اليوم " إني لم أخرج اشرا ولا بطرا ولا فاسدا ولا مفسدا  وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ".
 بعد توافر الأسباب والظروف التي حركت في الإمام حوافز الاعتراض على مبايعة يزيد المشهور بالفسق والفجور والانحراف من خلال موقفه في مجلس والي المدينة الذي استدعاه ليأخذ منه البيعة ليزيد بقوة السيف  فأنكر الإمام الحسين (ع) إعطاء الذليل وأعلن موقفه صراحة بالقول :" يزيد رجل فاسق  فاجر ، شارب الخمر، لاعب القردة وإنا بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومثلي لا يبايع مثله ".
فاختار الحسين( ع) السلة على الذلة ووقعت فاجعة استشهاده هو وأهل بيته وأصحابه على رمضاء كربلاء لتتحول الثورة الحسينية إلى مدرسة للأحرار والعظماء يقتبسون منها معاني التضحية والإيثار واستهانة الموت في سبيل القضايا الإنسانية الكبرى وكيفية إنتصار الدم على السيف وتغرس في الوجدان حوافز الإنتصار للمظلوم في وجه الظالم. فأقيمت المجالس لتكون دروسا تتناقلها الأجيال لتستشرف من شخصية الإمام الحسين (ع)  العظمة بعد تعرضه لأسوأ أنواع المظلومية على يد أعتى طغمة اغتصبت خلافة المسلمين وحكمت بإسم الدين بعد ان أفرغته من جوهره ومضامينه الإنسانية. فالإمام الحسين (ع) لم ينهض لاستعادة ملك زائل بل ثار لتقويم الاعوجاج الذي أصاب الرسالة الإسلامية  واستطاع أن ينتصر بدمه وبمظلوميته حيث شكلت ثورته علامة مضيئة تنير عقول الثائرين في وجه الاستبداد ، وفي هذا المعنى يقول الثائر الهندي المهاتما غاندي : "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر ".
لكنه مع توالي الأيام والسنين فإن المجالس الحسينية التي تقام مطلع كل عام هجري في العشر الأوائل من شهر محرم تحولت إلى مناسبات فقط للبكاء والنحيب والمبالغة في سرد التفاصيل لاستدرار الدموع بصوت شجي ولتحريك لواعج الحزن دون التطرق إلى المعاني السامية والدخول إلى عمق الواقع الذي حذا بالإمام الحسين (ع) ليجسد قمة العطاء والفداء في سبيل الإنسانية جمعاء ويبلغ هذا المستوى من عظمة التضحية والإيمان لتهون عليه الدنيا بكل ملذاتها فيرى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما. 
ويرفض إعطاء الذليل  لأن الذل ليس من شيم العظماء والكرام.
 إذ أن قراء المجالس طمسوا الحقائق الإنسانية للثورة الحسينية بتركيزهم على الندب واللطم  وتحولت المجالس إلى ما يشبه الزوايا والتجمعات لتروي قصة بطل وكأنه من خارج الزمان والمكان ويجهد فيها القارىء لإثارة العواطف لدى الجمهور المستمع وتغييب العقل والفكر  وتقاس براعة قارىء المجالس برخامة الصوت والاجتهاد في نسج الأساطير لاستقطاب العدد الأوفر من المستمعين مما يوفر له رصيد من الشهرة يفضي إلى حصوله على بدل مالي أكبر،  على أن الضيافة من حلوى ومشروب وموائد للطعام تلعب دورا مهما في توسيع دائرة الحضور. 
أما المجالس التي تقام بإشراف وبوصاية حزبية فإن الحضور يصبح إلزامي للمحازبين للتباهي بمن يستطيع أن يحشد أكثر من الناس  بحيث بلغ التنافس بين التنظيمات الحزبية درجة أصبح لكل منها حسين خاص بها  وتم تحويل ذكرى الإمام الحسين (ع) إلى سلعة تجارية للكسب السياسي وتسجيل المواقف وجمع الثروات.
فتتحول ذكرى  مأساة كربلاء من ثورة على الظلم والطغيان إلى ثروة للجاه والمال.