لو كان للعدالة في بلدي أنياب ومخالب لغرزتهم في رقاب المتسلطين على العباد والبلاد من رجال السياسة ورجال الدين بدءا بنوائب المجلس النيابي الذين ساقتهم الأقدار ليمثلوا على الشعب اللبناني في مشاهد فولكلورية لا يحصد منها الشعب غير المعاناة والخيبة. 
فهؤلاء النوائب الذين انتجتهم الصفقات والسمسرات بين مختلف القوى السياسية والحزبية المستولدة من مدافع الحروب الأهلية اللبنانية يفتقدون إلى الحد الأدنى من مقومات الحرية والكرامة والإنسانية والأخلاق الرفيعة.
 فهم ارتضوا لأنفسهم أن يتحولوا إلى أحجار على الرقعة السياسية تتحرك وفق أهواء ومصالح الجهات الحزبية التي افرزتهم والتي تتناقص دائما مع مصلحة الوطن العليا ومصالح الناس في حياتهم اليومية البائسة. وبالتالي فإن هؤلاء الممثلين على الأمة فإنهم يكشفون من على الشاشات والوسائل الإعلامية فسادهم وفضائحهم التي يندى لها الجبين دون حياء او خجل مستخدمين الاضاليل والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد بإدعائهم الحرص على حفظ القوانين والدساتير والمواثيق. 
فأي قانون وأي دستور وأي ميثاق يبيح لنواب الأمة غيابهم المتكرر عن جلسات المجلس النيابي دون مبررات مشروعة وأسباب مقنعة؟ 
فمن  سينتخب رئيس البلاد إذا لم يبادر النواب إلى تحمل مسؤولياتهم والمسارعة إلى حضور جلسات نيابية متتالية ولو أدى ذلك إلى استنفار المجلس النيابي وإبقاء جلساته مفتوحة وفي حالة إنعقاد دائم حتى يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية! 
ومن المسؤول عن استمرار الشغور الرئاسي الذي قارب السنتين ونصف؟ ومن يحاسب المقصرين من النواب عن تقصيرهم وسوء استخدامهم للسلطة وتهربهم من تحمل مسؤولياتهم في ظل عدالة عليلة ومبتورة وفاقدة لعناصر القوة -  التي فيما لو توفرت - تتيح لها سوق هؤلاء المقصرين العابثين بالنظام مخفورين ومكبلين ومقيدين بسلاسل العدل وإلقائهم في غياهب السجون!
ولم يكن مفاجئا انضمام الجلسة النيابية الماضية الرقم 45 التي كانت مخصصة لانتخاب الرئيس إلى سابقاتها في مسلسل الإخفاق في انتخاب رئيس للجمهورية ينهي الفراغ الرئاسي. وقد اتسمت هذه الجلسة والتي حضرها 51 منتحل صفة بجو مختلف عن الجلسات الأربعة والأربعين السابقة أضفى عليها بعض الحيوية والحرارة حيث تميزت باستنفار كتلة تيار المردة التي أطلقت ما يبدو أنه رد على ترشيح زعيم التيار الوطني الحر العماد ميشال عون وذلك بالتأكيد على ترشيح النائب سليمان فرنجية حيث دخل عضو كتلة المردة النائب اسطفهان الدويهي مع نواب الكتلة مكلفا من فرنجية ليكسر أول حاجز أمام مقاطعة كتلته للجلسات في رسالة سياسية واضحة موجهة للخصوم والحلفاء على حد سواء. 
ثم تلا الدويهي بيان شدد فيه على الاستمرار في ترشيح النائب سليمان فرنجية مؤكدا ايضا على أن زعيم المردة لا يزال مرشح الرئيس سعد الحريري ويحظى بتأييده. 
وفي مداخلة لاذعة جاءت من النائب دوري شمعون دعا فيها إلى إبراز شهادة طبية للمرشح الرئاسي الذي يبلغ الثمانين من العمر في إشارة إلى ميشال عون المستمر في تعطيل انتخاب رئيس للبلاد من خلال إصراره على التفرد بالوصول إلى سدة الرئاسة رغم الكم الهائل من العقبات على طريق بعبدا أولها انقشاع الضباب الذي يلف موقف حزب الله من ترشيحه لعون. فهل هو مقتنع به ام أنه يستخدمه كأداة للتعطيل؟ 
ثانيا إشكالية علاقة عون بالرئيس بري والنائب جنبلاط والتي يشوبها الكثير من الشكوك والهواجس. 
ثالثا الموقف العربي من وصول عون إلى رئاسة الجمهورية على ضوء انخراطه كليا في المحور المعادي للسعودية والدول الخليجية واغلبية الدول العربية. 
وفي موازاة ذلك فإن الرئيس سعد الحريري وبعد عودته إلى لبنان يحاول تحريك المياه السياسية الراكدة في البلد وينشط لأحداث خرق في جدار التعطيل الرئاسي من خلال لقاءاته بمعظم القوى السياسية والحزبية الفاعلة.
 وإذا كان العماد ميشال عون فهم من عودة الحريري وحركته الناشطة أنها قد تمهد لوصوله إلى الرئاسة بتبني ترشيحه  فسارع إلى إبلاغ محيطه بأنه صار رئيسا إلا أن الأمور ليست بالسهولة التي يتصورها عون.
 فدون ذلك العقبة الكبرى وهي أن يحسم حزب الله خياره وينتقل من موقع استخدامه لعون كأداة للتعطيل إلى تبني ترشيحه جديا  مع الإشارة إلى أن قرارات وخيارات حزب الله خاضعة لحسابات إقليمية من الصعب التحرر منها.
 في ظل هذا الواقع المربك فإن نوائب الأمة يمعنون في تشويه الحقائق والهروب من القيام بواجباتهم وتحمل مسؤولياتهم. ويستمرون في تعطيل المجلس النيابي مع غياب سيف العدالة متناسين محكمة الشعب التي قد تجرفهم في قعر جبال النفايات المتراكمة في الشوارع وتلقي بهم على مزابل التاريخ ...