أولاً: من هو "غباغبو"؟ كان رئيس بلاد ساحل العاج، وهو أحد زعماء العالم الثالث الديكتاتوريين، وعلى جري عادة أقرانه تمسّك بكرسي الرئاسة، وماطل بإجراء انتخابات رئاسية أكثر من مرة، فقامت بوجهه انتفاضة شعبية، تمكنت من السيطرة على شمال البلاد، وتقلّصت سلطته حتى كادت أن تقتصر على "ابيدجان"، العاصمة الاقتصادية لساحل العاج، وتحت ضغط القوى الديمقراطية الداخلية والأمم المتحدة والفرنسيين، الذين يحتفظون بقواعد عسكرية، اضطر غباغبو تنظيم انتخابات رئاسية، انتهت بفوز خصمه الرئيس الحالي الحسن وتارا، فرفض غباغبو تسليم السلطة، وتحصّن في القصر الجمهوري، فاجتاح الثوار البلاد، ودخلوا "ابيدجان" ، وكادت البلاد تدخل في حرب أهلية دامية، فزمجر الرئيس أوباما وتوجه للفرنسيين بالتقريع والحثّ على حسم الوضع عسكريا قائلا: ماذا تفعلون مع قوات الأمم المتحدة، ولماذا لا تحسمون الوضع؟، وفي اليوم التالي، وقبل مضي شهر واحد، قامت المروحيات الفرنسية مع مروحيات الأمم المتحدة بقصف القصر الجمهوري واعتقال غباغبو، واقتيد بعد ذلك ليمثل أمام محكمة الجنايات الدولية، في حين أنّ عدد ضحايا غباغبو لا يتجاوز ما يسقط في حلب بين ليلة وضحاها. أوباما نعامة على الأسد... أوباما ذاته، صرح منذ إطلاق النار على المدنيين المتظاهرين في سوريا، ولعشرات المرات، بأنّ الأسد فقد شرعيته، وتتالت التحذيرات للنظام بالكفّ عن سفك الدماء، وعندما تعالت تحذيرات من لجوء النظام باستخدام السلاح الكيماوي، رسم أوباما خطّاً أحمر، ما لبث الأسد أن تجاوزه، فحضرت البوارج وأمسك العالم أنفاسه بقرب نهاية النظام في سوريا، وإذ بالرئيس الأميركي يعقد صفقات مشبوهة مع الروس، أطالت عمر النظام حتى الآن، واذ تمّ نزع الكيماوي، أعطي الضوء الأخضر للطيران والبراميل المتفجرة، وتدخلّت إيران بقواها الثورية، وقواها "العربية" الموضوعة بتصرّفها، وصمد النظام، حتى إذ ضاقت عليه السّبل، حضرت روسيا بالسلاح الجوي المدمر، واكتفى يومها أوباما بتنسيق الطلعات الجوية معهم، ذلك أنّه منهمك بمحاربة الإرهاب، إرهاب داعش، التي ليست سوى نسخة مُنقّحة لإرهاب النظام الأسدي، وشهدنا في الشهور الأخيرة أسوأ المسرحيات المخزية التي تُدار فوق دمار حلب ودماء أطفالها، وأوباما "النعامة" مع الأسد، والذي كان أسداً مع غباغبو، يفكّر في اتخاذ تدابير وقائية مجدية لوقف مجازر حلب على يد روسيا، والنظام والإيرانيين، وبانتظار ذلك يواصل النظام جرائمه في حلب، وقد اطمأنّ إلى قصر يد الرئيس الأميركي، وعجز الأمم المتحدة حتى عن إغاثة المحاصرين، مضافاً إليها التخاذل التركي، لم يبق أمام المحاصرين في حلب، سوى صيحات الله أكبر، وهي، وللأسف، لا تنصر حقاً ولا تخذل باطلاً.