"ماذا يقول الرجال إذا سئلوا عن سبب تعنيفهم لزوجاتهم؟"، من هذا السؤال تنطلق الباحثة عزة شرارة بيضون للتعمق في "أحوال الرجال، ممارسي العنف، من منظورهم الذاتي"، في دراسة بعنوان "العنف الأسري: رجال يتكلمون"، أعدّتها بالتعاون مع "منظمة أبعاد ــــ مركز الموارد للمساواة بين الجنسين".

أُطلقت الدراسة أمس في اللقاء الوطني حول "مناهضة العنف الموجه ضد النساء والفتيات في لبنان"، الذي نظمته "أبعاد" في نقابة المحامين.

يتوزع الرجال المشمولون في الدراسة على فئتين: تسعة منهم متهمون أمام القضاء بالتعنيف، واثنان يلتمسان المساعدة النفسية للتخلص من تعنيف زوجتيهما. من يصغي إلى رواياتهم، وفق بيضون، "ويقارنها بروايات ضحاياهم، لا يفوتُه أن الفئتين تعيشان زمنَين مختلفَين: النساء يعشن في العصر الراهن ويرغبن في التمتّع بامتيازاته التي أحدثت تغيّراً في أحوالهن؛ فيما المعنّفون الرجال متشبثون بـ"زمن جميل" كان فيه الرجال، لأنهم ذكور، قوّامون ورؤساء على النساء".

بعدسة الرجال، فإن زوجاتهنّ "شريرات" جلبن الضرب لأنفسهنّ عبر استفزازهم. خليل مثلاً، يعتبر أن زوجته "وقحة تجادله وتبحلق في عينيه وترفع صوتها"، وعادل يرى زوجته "رجلاً" تفرض دائماً وجهة نظرها ومهملة لبيتها. أما سمير، فيرفض أن يكون بنظر زوجته وعائلتها "خروفاً"!

تبريرات العنف: الجميع يضرب


كل الذين شملتهم الدراسة صرحوا بأنهم ضد ضرب الزوجة وأنه لا يحق للزوج أن يؤدب زوجته! وينكرون تعنيف زوجاتهم أو يجدون أن ما فعلوه لا يستحق التسمية أصلاً، باعتبار أنّ "كل الأزواج يضربون"، على ما قال أحدهم. فضلاً عن أنّ هؤلاء لا يعترفون بوجود تعنيف معنوي ونفسي واقتصادي. يبرر هؤلاء عنفهم بأنه رد على عنف باشرت به الزوجة. تقول الدراسة: "في معظم الروايات يبدو العنف وكأنه خارج سيطرة المعنّف، أي إنه مدفوع بآلية مستقلّة عن فاعله. هو يقع على الزوجة تماماً كما يحدث للرجل؛ بل إن الزوجة تستدعيه، فلا يعدو الرجل أن يكون مستجيباً على نحوٍ قهري".

في التعمّق بـ"تسويغات" العنف التي يقدّمها الرجال، يُلاحظ أن جميع المشمولين بالدراسة يحملون في دواخلهم خيبة عميقة تجاه زوجاتهم. كلٌّ منهم تزوّج امرأةً ما لبثت أن انقلبت إلى "أخرى"، أو تزوّج "تصوّراً" لامرأة لم تتشبّه الزوجة الواقعية به. وبالتالي يحمّلون الزوجات مسؤولية اتجاهاتهم العنفية. وعليه، يصف الأزواج زوجاتهم وفق تصورهم للأدوار الجندرية التي يتعيّن على المرأة تأديتها، فيعتبرون أن زوجتهم "ليست امرأة" لأنها "ربة منزل مهملة"، "باردة جنسيا"، "أم غير صالحة"... أو أنها "الرجل في المنزل" في إشارة إلى سلب الرجل "حقه الطبيعي"، سلطة التفرّد باتخاذ القرارات، وبالتالي يتشكل لديه شعور بالتعدي على رجولته، ما يدفعه إلى العنف. وليبرر عنفه لنفسه أولاً ولمجتمعه، يلجأ إلى إطلاق صفات سيئة على زوجته مثل الخيانة. وتخلص الدراسة إلى تضمينات للتأهيل وفقاً لفرضية أساسية: "خلف تعنيف الأزواج لزوجاتهم أزمة في هوياتهم الجندرية". وعليه، بعض أسباب الأزمة التي تعصف بهذه الهويات تتمثّل "لا بقصورهم في استيعاب الواقع الفعلي لزوجاتهم فحسب، بل إن التصوّرات والاتجاهات التي يحملونها في أذهانهم لا تتلاءم مع واقع المرأة الراهن. هم غافلون عن واقعة تغيّر أحوال النساء. إذ بدا لنا أنهم غير مدركين أن هؤلاء أصبحن يملكن الموارد المادية (ذوات المهنة منهن، خاصة)، وما عاد ينقصهن الدعم العاطفي والمادّي من ذويهن".

شائعات خاطئة


وتظهر الباحثة أن الرجال الذين شاركوا في الدراسة يختلفون في جميع سماتهم من العمر والمنطقة والدين وسنّ الزواج والمستوى التعليمي… ما يؤكد أن العنف ليس كما يشاع محصوراً بالأشخاص الأقل تعليماً أو بالطائفة المسلمة أو بالمناطق النائية.

فمن ناحية العمر، ورغم أن الرجال راشدون "لكنهم لم يطوّروا وسائل تفاوض، بل يلجأون إلى العنف ضد زوجاتهم. كذلك فإن زوجاتهم لم "يتعوّدن" العنف، وغير مستعدات للتآلف معه". أمّا الادعاء بأن "الدين الإسلامي بعكس الدين المسيحي، يشرّع العنف ضد الزوجة ويسوّغه بشروط"، فلا أساس له في العينة المُختارة، وعليه تصوغ الباحثة فرضية مفادها أن "الأزواج من كلّ الملل والمذاهب قد يكونون معنّفين. تعنيف الزوج لزوجته مستقل عن انتمائه المذهبي". والعنف قد يقع في أسرة، سواء كانت أصول الزوجَين من المنطقة نفسها أو من منطقتَين مختلفتَين، وسواء كانا من الطائفة نفسها أو من طائفتَين مختلفَتين.

من الشائع أيضاً أنّ ضرب الزوجة يقتصر على الأقل تعلماً ومن ينتمون إلى الطبقات الدنيا والمهن الوضيعة، وهو ما تنفيه الدراسة التي أظهرت وجود أكثر من حالة من فئة "الرجال الحائزين درجة علمية عليا أو وسطى، أو ذوي المهن العليا". كذلك تدحض ما يتردّد عن أنّ المرأة العاملة ذات المستوى التعليمي الأعلى من زوجها "تستفز" الزوج، ما يؤدي إلى العنف، إذ تبين أن النساء اللواتي تعرضن للعنف في العينة نصفهن تقريباً ربات بيوت.".

(الأخبار)